السبت، 28 أبريل 2012

بين أصبعين ـ قصة قصيرة ـ



بطبيعتها التنظيمية التي ترتب من خلالها كل الأشياء زمانا ومكانا تغالبها الإشارات تغالبها الإشارات لتصنيف كل شيء ، ومن بين ماتصنف حكاية الأسبوعين كي لا تحصل صدمات مفاجئة في مشاريعها التي ترتبها بشكل مقدس ، تصنف الأسابيع إلى نوعين :
ـ الأسبوع الغير ملفت للانتباه هو أسبوع تشير له بأصابع مبتعدة كمن ينفض شيئا مع تعبير وجه بليغ  التنمر فهي تكره القيادة المطلقة التي تفرضها المعلمة في الأنشطة التي تتطلب مراقبة مباشرة من هيئات التدريس ، فتبدو عليها علامات السخط رغم محاولتها الدائمة التفوق في كل شيء لكنها نادرا ما تصيح في رهج بطريقة غير منتظمة راسمة على وجهها لوحة تغني ناضحة بفرحة القلب ـ كعادتها مع تعبيرات الفرحة و نشوات النصر ـ .
ـ تطلق على الأسبوع التفاعلي الجميل ـ إشارة ـ بقبضة الإبهام والسبابة مشكلة بهما شكل دائريا ليعني ذالك ان الاسبوع سيسير بشكل مثالي لأن بعض الاشياء المسلية التي تجد فيها ذاتها وتطلق العنان لقدراتها التنافسية مبرمجة في مدرستها "الخاصة للصم" نفس الأسبوع، هي تحب دروس الرسم وتلطيخ الصفحات البيضاء بالألوان ولها ذوق رفيع في المزج بينها ، تحب الكثير من الأشياء ذات الطبيعة البصرية وأكثر من كل شيء تحب لعبة شد الحبل التي تجعلها منتشية حين تفوز على خصمها اللدود ـ سبابتين متقاطعين ـ أو ما تقصد به "الخصم" ، وأحيانا يعجبها أن يلعب "الخصم" في فريقها لكنها تخجل من طلب ذالك بشكل مباشر ، ستكون مسرورة أكثر لو كان الطلب صادرا منه، الحقيقة أنها لم تطلبه يوما في فريقها لكنها تهز رأسها بطريقة حماسية وسريعة حين يقترحه أحد أعضاء الفريق ، تغير الإشارة المعبرة عن اسمه الى إبهامين ملتصقين متوازيين حين يكون جزءا من فريقها المنتصر كتعبير عن الصداقة والتحالف بدل السبابتين المتقاطعتين .
وحين تختلس النظرات في الأسابيع المملة اليه توشك أن ترسم إبهامين متوازيين بكل قوة لكنها تستشعر ضغط التصاقهما في قلبها فتوقن أن أجواء المنافسة هناك أكبر وأكثر غرابة ، تطرق فجأة بعد تصادم النظرات لتعود الصورة أوضح فتحدث نفسها "لا يمكن أن أظهر له إلا أننا "سبابتين متقاطعتين "، في إنتظار الأسبوع الآخر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إهداء إلى كل الصم في موريتانيا وإلى الذين أشرفوا على الأسبوع الوطني للصم ـ كم أنتم رائعون يا أعزائي ـ 

الأربعاء، 25 أبريل 2012

عقلية الحجارة والنار




لست أدري هل من المناسب الحديث الآن عن هذه الممارسات التي تكررت كثيرا في مواجهة الشرطة بعنف والإيغال في إهانتهم وتوجيه اللكمات للشاردين منهم ومصادرة أدواتهم وتسميتهم بالتسميات المهينة "كالكلاب" مثلا ، هل الوقت مناسب للحديث عن ذالك برأيكم ؟ ! شخصيا لم أتمالك نفسي مع الحوادث المتكررة من ذالك النوع ـ توكلت على الله ـ


بعيدا عن العبارات المستهلكة والرومانسية ـ أحياناـ  عن أن الشرطة هم عناصر من الشعب ويعانون من ما يعانيه ويصطلون بناره وبؤسه ، بعيدا عن التأكيد أنهم يمارسون عملهم في إطار من العنف المسموح به من قبلهم والذي يزيد فقط حين يوجد سبب لذالك وإن زاد ذات شرود دون عذر فهو محسوب عليهم بشدة وعلى نظامهم ، وميزة تضاف إلى رصيد المقاومين السلمين والمطالبين بالحقوق.
القضية ليست كذالك فقط ، ليست كل تلك الشعارات السابقة ـ و الصادقة فعلا ـ  ، القضية من جهة أخرى ـ ومهمة جدا ـ  هي موريتانيا التي نريد ، موريتانيا التي نرسمها اليوم قبل الغد ، كيف نريد الاحتجاجات بعد التغيير ؟ ، موريتانيا لا تتوقف  مشاكلها ولا أناتها بسقوط عزيز ولا بسقوط العسكر ، ستستمر المشاكل لسنين قبل الحلول المؤسسية شبه النهائية ، فهل نريد أن يعالج كل صاحب مطلب ومظلمة أو صاحب قضية قضيته بالحديد والحجارة والنار ؟
أستغرب أن يفتخر أحد في كونه كسب غنيمة من الشرطة أو أوقع فيهم مصابا ثم يفاخر السماء ويتنفس الصعداء بانتظار يوم آخر ليسقط فيه شرطيا آخر ، وكأن كل مشاكله كانت أن يصيب شرطيا أو يكسر عينه ، وكأنه لا يضع خريطة لأولوياته، بأي منطق هذا ؟
لا أدعي أن هذا التأزيم وكل تلك الحجارة والنار لن يأتيا بنتيجة في التغيير ، لكنه ليس اللوحة الجميلة للوطن الذي نريد وسيكون ذا تكلفة عريضة وواسعة من كل جانب وفي كل وقت وربما يجر لما هو أطول ويعطي المبررات الأخلاقية لقدر أكبر من القمع والعنف وينقذ النظام من المجاعة السياسية التي بدأت تحاصره شيئا فشيئا ، وليس الطريقة التي نريد أن يحتج بها كل صاحب حق في المستقبل في ظل حكم أي حزب أو فكر  ، 
قتل الشرطة ليس ما نريد ، إهانتهم ليس ما نريد ، نريد أن نرسم اليوم موريتانيا التي نريد في المستقبل . 






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استريحوا من وعثاء هذه التدوينة مع هذه الصورة الرائعة الصافية من بلد يجب أن نفكر بجدية في مستقبل نظيف له . 

الخميس، 19 أبريل 2012

رئاسة جمهورية النفس (3)


في أول انتخابات لرئاسة جمهورية النفس تحار بين كمية الخيارات المغرية التي تهاجمك من كل جانب وتغريك بما تقدمه لتجعل النفس تابعة لها دون سواها أو بسواها لكن بمستوى أقل بكثير من مستواها .

  المترشح باسم الدين
تتنافس عدة توجهات تمثل الدين في رئاسة جمهورية النفس ، بعضها يغذي الحماس الذي يسيطر على الجمهوريات الشابة وبعضها يقتحم الروح في جو الربانيات والعشق المعقد وعالم التصوف و الماورائيات ، بعضها يدعوك لتفجير نفسك كل مرة ثم تود لو أن لك حياة أخرى فتفجرها مرة أخرى ، سيقنعك بكل النصوص إن لزم الأمر ، وإن رشحته فأنت معمل كيميائيات سينفجر في أي لحظة لكن العاطفة الجياشة ستجعلك موقنا بالجنة بعد الثانية الأولى للانفجار فلا خوف عليك بعد ذالك ولا أنت تحزن .
في الدين مرشحون آخرون قد لا يكونون ذوي حظوة كبيرة في الجمهوريات الشابة ، لأنهم لا يحملون كمية حماس كبيرة و لا يضمنون الجنة بعد الموت بثانية ، فقط يشاركون الجمهورية ببعض المشاعر والأحاسيس والعقائد و الرقائق التي تبحث في هدأة الليل عن السكون والسكينة و تنفق فيها اليد اليمنى ما تجهله أجهزة مخابرات اليد اليسرى ، تأمر بحب الخير والإخلاص والوفاء و إكمال مكارم الأخلاق و تمشي على الأرض هونا ولا تريد علوا فيها ولا فسادا ، تضمر أكثر مما تظهر من " الحب والإيمان والصلاح والتقوى والعفاف والرضا والكفاف والرجاء والإنفاق والصلاة والصوم و الزكاة " .

المترشح باسم المشاعر
الحب وتنوع المذاقات ، هل تسرف الجمهورية في مدامه وتنحى ذالك المنحى الذي يبحر فيه فقط من أتقن الإبحار في الخيال وأمتلك تلك الشجاعة ، ليس كل شجاع من يقاتل يمينا ويرد الضربات شمالا فهناك فسحة كبيرة من الشجاعة للعشاق والمحبين المقتحمين عالم المخاطر بقلوبهم زمرا في كل عصر منهم صريع ينبئ جنونه بخطورة المساحة التي أقتحم ، لكنه أيضا يضمر الكثير من المغريات مستحيلة المقاومة ولأن حربها تدور بين العقل والقلب فإن الأخير غالبا ما ينتصر ، يبشر مرشح الحب بعالم أفضل للجمهورية .

ينطوي السباق على الكثير من المرشحين والدوائر و أنت من سيحسم الانتخابات والقرارات :
ـ أنت من تختار هل ستكون رجلا قبليا يعميك البعد القبلي عن كل شيء سواه ، ترى من خلال القبيلة ولاشيء سواها .
ـ  أنت من سيختار هل ستركب موجة الحرية وتتيه في عالم لاحدود له ولا معالم ، لا مسؤولية ولا قيود ولا شروط ولا بنود
ـ أنت من سيختار هل ستعبد الله بقتل الناس وتشريدهم ، أو بغضهم أو إكراههم في الدين ، أم حبهم و محاولة إسعادهم وعبادة الله بما شرع دون أن تجعل الوسطاء بينك معه من الناس ينظرون إليك ليقولوا "فلان تقي وصالح لا يوجد منه اثنان" .
ـ أنت من سيختار هل ستهيم في عالم الحب والعشق والسفر البعيد ، حيث أفكارك اليتيمة التي لا تجد تعزية غير قصائد المجنون وليلى العامرية .
أنت فقط من ستحدد ما ستكون عليه "جمهورية نفسك

السبت، 14 أبريل 2012

رئيس ـ الانتحار ـ



تفهم نفسية المنتحر هي من الأشياء الصعيبة جدا ، فأن تنعدم عندك غريزة حب البقاء التي زرع الله فيك وأن تدير الظهر للعادات الاجتماعية والمبادئ الدينية لهو أمر صعب التفهم أو الفهم والاستيعاب .
طبعا هذا كان قديما ـ أيام تردد الانتحار البطيء ـ كأن يحدث انتحار كل 10 سنوات أو 5 سنوات وتتوقف دائرة الأشياء حائرة عند هذا الفعل النادر والغريب ، اما اليوم فقد أصبح أكثر الأحداث تكرارا في الأخبار أحداث "الانتحار" فقد سجل شهر فبراير 2012 لوحده 4 حالات على الأقل فيما سجلت منذ يومين حالة الانتحار الغريبة التي حصلت من أعلى عمارة الخيمة.
 وهذه ظاهرة خطيرة و تتنامى بسرعة ومن الخطأ ما تحاول الإذاعة الموريتانية هذه الأيام الترويج له أو لفت الأنظار عن الأسباب المقنعة إثر بعض التحليلات التي يؤكد أصحابها أن من بين الأسباب القوية لذالك انتشار الدراما والمسلسلات المؤثرة في النفوس والمثيرة التي تصور ظاهرة الانتحار كنوع من البطولة ، وهذه دعاية لا يوجد أسخف  منها إلا توزيع "الياي بوي" على الفقراء لثنيهم عن الحضور للأنشطة المناهضة للنظام ، ـ و لا يوجد لدي تفسير مقنع أكثر من الوضع المزري الذي تعيشه البلاد على جميع الأصعدة الذي جعل غالونات اليأس تتسلل إلا نفوس الكثيرين من الذين يسهل ركونهم إلى ذالك ..

لإن كان الجنرال قد وعد بتقسيم ـ أشوية العدل الباقية ـ فإنه ليبدو مصابا "بعمى العدل" أو بالكذب أو بهما معا ، ولإن ادعى أنه رئيس الفقراء ـ وقد فسروها بتفقير الشعب في إحدى الطرف ـ فهو صانع البؤس و قاتل البؤساء ، و لإن أدعى الأفكار العبقرية و أتهم غيره بسرقتها فقد أبدع بروعة منقطة النظير في خلق أسباب الانتحار وحق له ذالك لقبا  ـ رئيس الانتحار ـ   .

الأربعاء، 11 أبريل 2012

رئاسة جمهورية النفس (2)


الحملة الانتخابية

في انتخابات رئاسة جمهورية النفس ليس كل شيء مقبولا فهناك حدود من نوع ما في إظهار الرغبة في الفوز لكن الرشاوى المسيلة للعاب ليست من بين المحظورات ، ليست مقنعة في الأخير لكنها تجعل صاحبها في موقف جيد للتفاوض كما يقول مورفي ، على أساس تلك الرشاوى الغير مباشرة بدأ بعض المرشحين يداعب منطق الجمهورية .

المترشح باسم المجتمع القبلي




"إن وجودنا في خدمة الجمهورية ليس أمرا مستحدثا ولا يحتاج لشرح فالجميع يعلم كم قدمنا للرئيس السابق ـ الأب ـ من الدعم المعنوي والمادي في العناية بالجمهورية وأنها بكاملها وبكل مكوناتها وبرئيسها السابق تمثل جزءا محببا ككل أجزائها و مستعدون لمساعدها في أي مرحلة من معترك الحياة ، لكننا كأي فكرة وأطروحة غير ملزمين برعاية من لا يختارنا ، فعلى الجمهورية أن تختار رعاية حقيقية وصلبة في عالم من الوحوش التي لا تعترف بأي مبدأ جميل حتى ولو كانت تتشدق به ، فهناك فرق بين الواقع والشعارات ، يقولون شعارات ونحن نجسد الوقع ، فلا ضمانات إلا مع القبيلة ولا سند إلا بالمجتع القبلي في عالم الحيتان هذا ، سنقدم كل ما بامكاننا وبكل أساليبنا الضاغطة لنجعل الجمهورية حيث يجب أن تكون ، ولا يخفى على أحد أننا ندير العديد من الجمهوريات بطريقتنا ونجعلها تبدأ الطريق الصحيح وتأخذ مكانتها المستحقة ، كل ما عليكم هو التصويت لخيارنا بقيادة جمهورية النفس لتختاروا من خلالنا المثل القبلية . "



 المترشح باسم الحرية 


" أنا أنت ، أنا حيث تريدين ، أنطلق منك واليك اعود ، أنا حريتك ، أنا قرارك ، يريدون انتزاعي منك وجعلنا عبدين لأهوائهم ورغباتهم ، قد يعجبك قولهم وقد يبدو لكي مقنعا لكنه ليس حقيقتك وليس ما أنت عليه ، الذي يؤلمني أن ظروف جمعنا معا تحت ظلهم وحكمهم ستجعلني غير قادر في الكثير من المواقف على فرض رأيي وستتسع مساحة العبودية في نفس كل منا وسنرى ضوء الحرية معا يخفت شيئا فشيئا ، وسنرى كل شيء يعني لنا الكثير يختفي وفي الأخير سيبدأون عملية التحول وبعد 20 سنة لن تتعرفي على نفسك وسأكون قد اختفيت للأبد كي أعيد تعريفك بنفسك و سيحل محلك مسخ جديد فرضته وصاغته تلك الظروف وليس أنت ، فلا  تختاري غيري مادام الوقت يسمح في انتخابات جمهورية النفس ."

وفي زحمة الاقناعات تلك كانت دوائر الجمهورية تعمل على تصنيف المرشحين والبدء في إجراءات دعمهم ، فتبدو دائرة العاطفة في جدال شديد حول الكثير من التصنيفات والخلافات الداخلية فيها ، المحافظون في دائرة العاطفة يشدون الحبل نحو التوجه المستقل فيما يتعصب المصالحيون على التأني لدراسة الخيارات الباقية التي توفر مردودا ماديا ملموسا ،  تتفق دائرة العقل على التقاسم نصفين ومحاولة التوفيق بين المرشحين ، فيما تتسرع دائرة المعنويات إلى دعم الأكثر أداءا في ارتفاعها .
ويمتد طابور المترشحين ليشمل "الدين بأنواعه وتصنيفاته وشيعه ، و الايديولوجية في تنوعها و العمل والبيت والأصدقاء والحب ، وتكتشف الجمهورية كل مرة دائرة جديدة مؤثرة في إختيار من سيكون رئيسا لجمهورية النفس . "



الثلاثاء، 10 أبريل 2012

رئاسة جمهورية النفس (1)




الثورة :



جراء أزمة عاطفية مفاجئة في أولى سنوات المراهقة اثر صفعة لأسباب غير مفهومة من رئيس الجمهورية المتمثل "الأب" و الذي يحكم الجمهورية منذ ولادتها عن رضى وقناعة دون اللجوء ولو مرة واحدة للسؤال "لماذا ؟" ، قررت ـ اخيرا ـ جميع أجهزة الجمهورية أن التغيير قد حان .
جميع الجمهوريات الصديقة كانت تواسيها وترسل بيانات تنديد بالتصرف الذي صدر عن الرئيس وأن لكل فترة أساليب حكمها ، لكنهم أيضا لم يكنوا يحبذون فكرة التغيير لأنهم لم يطمئنوا بعد إلى البديل من سيكون ، تلك الجمهوريات الصديقة لا تريد الجمهورية في أولى سنوات المراهقة أن تتخلص من الحكم المعتاد الذي لازال الكثير من العطاء أمامه ـ وعن قناعة منهم ـ لا يمكن أن يقدمه إلا هو .
وبالتوازي مع بيانات التنديد التي كانت تمطر رأس "الأب" أتضح جليا لتلك الجمهوريات أن الثورة قد باتت وشيكة ، كانت تحاول في الجانب الآخر تهدئة الجمهورية وإقناعها أن الأزمات العاطفية و الاعتداءات البسيطة لا يمكن أن تكون سببا للفوضى العارمة التي من الممكن أن تحدثها الثورة ، كانوا يحاولون على مدى أيام بكل الضغوط التأكيد أن أي تحرك سيحل الفوضى بدل التنظيم وأنه يعتبر من مجمل المحرمات التي ستطيح بالجمهورية الدرك الأسفل من كل شيء ، لكن الجميع أتضح له أن عجلة الوقت قد دارت فعلا ، فبدءوا على عجل بالتعاطي مع المرحلة الجديدة .
كانت نظرية الثورة بسيطة وسلمية وفعالة ، بنيت على مبدأ اللا تعاون ، قرر الشعب أن أي أوامر صدرت من الأب سيتم تجاهلها حتى يتضح له أنه لم يعد رئيسا للجمهورية بعد اليوم ، وفعلا استقلت الجمهورية و نظرات تأنيب تتابعها من الجوار ونظرات إعجاب أخرى .

الفراغ السلطوي :

لم يستتب الأمر بعد ذالك في الجمهورية لأشهر طويلة ، تناول الحكم في كل مرة شخصيات جديدة ، حولها ذالك الى حالة بائسة من التخبط والتشرذم والتأنيب من جيرانها .
تولت السلطة أولا شخصية المرح : المحبة للحرية والسهر واللامبالاة ، فيما أهملت كل القطاعات الأخرى وعلى جميع المستويات لينتشر واقع من الفوضى العارمة أخافت العالم كله فبدأت محاولات انقلابية وحصار اقتصادي يضرب على الجمهورية حتى تثور على الشخصية الجديدة الغير قابلة للحكم .
ومع اشتداد الأزمة قرر الرئيس الكمون في الخلفية و طلب انتخابات مستعجلة وزورها لصالح رئيس يمكن السيطرة عليه ويحظى قبولا من الجوار وهو  "الشخصية المهادنة" التي تحاول كسب ود الجميع لكنها لا تحمل مشروعا واضحا في إصلاح ما تم إفساده فقط بطبيعتها الدبلوماسية المخادعة احتالت على الجيران شيئا ما في حين ظل الرئيس السابق هو الممارس الفعلي للسلطة دون علم احد .  
بعد فترة من المغالطات التي تدير بها الحكومة التي لا تتحلى بالكفاءة الأمور ، أتضح لجميع القوى الحية داخل الجمهورية أن الوضع بات خطيرا وأن تغييرا صار من اللازم إحداثه لتدارك ما يمكن ، فعمل الجميع على احداث ازمات بتوضيح المغالطات والعمل على تبرئة الجمهورية منها حيث أنها لا تعني إلا الرئيس الذي قام بها ومساعديه وأن انتخابات لاختيار رئيس شرعي ونظام حكم جديد بات من الضروري ، بدا الامر مقنعا وبدأت كل القوى الوطنية في الجمهورية تلتف حوله حتى فهم النظام نفسه ورحل .
وتم الانتقال الى أولى خطوات الديمقراطية "حملة انتخابية لرئاسة جمهورية النفس".


الجمعة، 6 أبريل 2012

بسيكولوجية الإختلاف



كنت قد حاولت الكتابة سابقا عن بسيكولوجية الإتباع التي تبعد مصابها من التفكير المستقل بمنطق غالبا في الأمور التي تحتاج منه ذالك ، أما هذه المرة فقد قررت أن أعرج على الضفة الأخرى من هذه القضية التي ـ بدل أن تحول المتبوع إلى إله ـ تحول المخالف إلى شيطان


ذات مرة في إحدى أنشطة الطلاب التابعة لإحدى النقابات المحسوبة على التيار الإسلامي كان أحد ما يهمس لي بملاحظة مفادها أن هؤلاء حين يحكمون سيحولون هذا البلد إلى عالمين مملين لا حياة فيهما ، عالم للرجال وعالم للنساء ، سوف تحتاج إذنا من حاكم منطقتك لكي تحدث أختك أو أمك ، ثم ستحضر الوثائق اللازمة لتأكيد ذالك وسيعطيك وقتا محدد إن تجاوزته جلدت ، 
نفس الشخص بعد فترة أكد لي أنه حين دخل إحدى الوقفات التي نظمتها نفس النقابة وجد مايشبه إختلاطا وقام فيهم خطيبا أن هذا ليس الإسلام الذي يدعون نسبتهم إليه ، أجبته وقد مللت الإنصات له "على الأقل لن يطبقوا نفس الطريقة التي أدعيت في فصل عالمي الرجال والنساء" ، 

هذا مثال على بسيكوباتية الإختلاف ، أنت تنتقد كل شيء لأنك مختلف ، حتى أنك قد تنتقد النقيضين في نفس الوقت دون أن تشعر بذالك لأن كل ماسيصدر من الذين يخالفونك لن يكون إلا خطأ حتى لو كنت تقوم أنت به عشرات المرات يوميا ، 

بعض المختلفين يتكلفون في إحضار الدليل ويجتهدون على صياغته ويراوغون بشتى الوسائل والغريب أنهم لايشعرون بالذنب مع تلك المراوغة التي يصنفونها جيدا ويفهمونها على حقيقتها بل تشعرهم بالحماس والعظمة ـ قد يفتخر عليك أحدهم أنه راوغ ذات يوم في مسألة إختلاف ـ ، بعضهم أغلق كل نوافذ العقل والدبلوماسية وله بضع كلمات يكررها بأي مناسبة ، حتى لو سألته عن إسمه

في قاموس بسيكوباتيي الإختلاف أسماء يطلقها على مخالفيه هي أقرب إلى تهم جاهزة وشاملة ، أنت تنتمي للفكر الفولاني إذا أنت كذا ، البعض يصم الإسلاميين بلقب "المتأسلمون" مع أنه لم يفكر يوما ـ على مايبدو ـ في معنى الكلمة فهي تبدو لي شبه تكفير أو وصم بالنفاق ، فكلمة المتأسلم حسب فهمي تعني ـ مدعي الإسلام ـ ، بعضهم أيضا يدعوهم "الإسلامويون" شخصيا لم أفهم ماذا تعني هذه الكلمة وماهو الفرق المزعج الذي يفرقها عن "الإسلاميين" لاحظت الفرق "و" و "ي" فقط ،
 هناك أيضا عبارة تخوين جاهزة لبعض الإسلاميين يطلقونها على كل مخالف لهم مهما كانوا هي عبارة ـخبيث ـ ، التي ترد على ألسنة شباب التيار الإسلامي كوسم عار في جبين كل من ينتقدهم أو يختلف معهم .

أرى أن كل تلك الفرق لم توفر جوا صحيا للإختلاف وبالتالي لازال الجنود يشنون حروبهم بعفوية و أسلحة غير مرخصة ولا مقبولة في عالم الفكر دون تدخل او بتدخل غير كافي من القادة المدركين لأنواع الأسلحة المرخصة في ذالك العالم ، وكل هذا يجعل من الإمكان أن تتوقف كل دوائر الفكر في دولتنا من أجل اختلاف بسيط ، كما حصل في صدر التاريخ الإسلامي مع مسألة القرءان التي جعلتالعلماء والفقهاء والسوقة وبنائي الجسور والبيوت ورواد الخمارات والجوامع والشعراء والقادة و الشرطة والخليفة يتعطلون حتى يعرفوا هل القرءان مخلوق أم غير مخلوق ؟ 


بعض عبارات مرضى الإختلاف في النقاشات

ـ موتوا بغيظكم 
ـ من أنتم ؟

تذكر فقط وأنت تقرأ هذه التدوينة أنك لو أنتقدتها بإحدى العبارات الماضية فسأتهمك للأسف أنك مصاب بمرض الإختلاف القهري . 


تذكر أيضا أنك حين


ـ تتعصب دون أي حوار حول أفكارك فأنت مصاب بمرض "الاتباع القهري"
ـ تتعصب في كيل التهم للمختلف فأنت مصاب بمرض "الاختلاف القهري"