الأربعاء، 24 أبريل 2013

اطلالة على قضية الحمالة

الحمالة : هم مجموعة من العمالة اليدوية الرخيصة المستغلة أبشع استغلال ، يأخذ أحدهم 800 أوقية فقط (مايعادل 2.2 دولار تقريبا) عن كل 1طن وهو مبلغ ضئيل اذا ماقورن بما تجنيه الرافعات الحديدية التي تأخذ عن الطن 15000 أوقية أو الشاحنات التي تأخذ عشر أضعاف مايأخذه الحمال 8000 للطن ، اضافة لذلك ينالون أجرهم لليوم وليس هناك أي ضمان على صحة أي أحد منهم ولاوجود لسيارة اسعاف بالقرب من الميناء وذلك ما أودى بحياة أحدهم في الاسابيع الماضية واسمه "محمود ولد امبيريك" رحمه الله ، وقد يقضي أحدهم أسبوعا كاملا في انتظار عمل أي أن المبلغ الذي يقبضه أحدهم ليس يوميا بالمرة كما روج بعض الاستغلاليين .
وليست هناك أي قوانين تحكمهم ـــ مثلا لايطبق معهم قانون الشغل ـــ سوى القوانين "الاقطاعية" التي يتحكم فيها مزاج  رجال الأعمال دون توفير أدنى حقوق لهؤلاء المساكين .

بدأ الحمالة بعد سقوط زميلهم صريعا الانتباه لمشاكلهم وحقوقهم وقدموا عريضة مطلبية بمطالب غاية في البساطة ، وكعادة الادارة بدأ التماطل والتهديد أحيانا ثم تطورت الاحداث الى أن أعلنوا عن اعتصام لانتزاع حقوقهم ، ظلت قضيتهم جامدة في درج أحد اداريي احدى الوزارات ذات البيروقراطية العفنة المحترقة كأي من وزاراتنا أو اداراتنا على حد السواء فيما كانت الادارات الأمنية تحضر للمواجهة وقمع التمرد كأنها تحارب جيشا أجنبيا وليس أبناءا من فئات هشة فقيرة تطالب بأبسط حقوقها ، تبين ذلك من بدأ الهجوم العنيف وبترسانة قمعية جديدة تستخدم للمرة الأولى <شاهد الصورة> 

صاحب القمع حملات اعتقال في نشطاء الحمالة حيث اعتقلت قوات الدرك العشرات منهم كان من بينهم الناشط في حركة 25 فبراير  أباه ولد منزة الذي يحمل عبوة مسيل الدموع في الصورة أعلى ، تعرض هؤلاء النشطاء للتعذيب والتكبيل حسب شهاداتهم الشفوية ، وتم رميهم بعد منتصف الليلة خارج مدينة انواكشوط ليعودوا بعد يوم مليء بالاعياء والتعذيب الى بيوتهم على مشيا .

الغريب في هذه الحادثة أيضا هو ظهور وجه قبيح جديد للنظام العسكري ورجال اعماله ليس على  مستوى القمع والاستغلال ومصادرة الحريات فقط بل في اللعب على الوتر العنصري والاثني فقد جند عشرات الحسابات على صفحات التواصل الاجتماعي وتحدثت باسمه عدة مواقع محسوبة على مايسمى بـ "أجهزة الأمن" لترويج الشائعات حول هؤلاء الضطهدين واتهامهم بالتبقل ونشر اشاعات أنهم يقبضون نصف مليون شهريا رغم أن دخل احدهم الاسبوعي قد لايتجاوز 6000 أوقية ، الوتر الأخطر وهو الحساس الذي لعب عليه موقع أطلس اينفو  .. سأترككم مع الصورة فقط ولتحكموا بأنفسكم على مستوى الخبث والقمار .. وما السبب ؟! ، فقط مجموعة حمالة يطالبون بزيادة أجورهم المتناهية في الضئل وسيارة اسعاف تنقذ من سقط قبل أن يلفظ أنفاسه الاخيرة . < تابعوا الصورة وافتراء مواقع "الأمن"> 



الخميس، 18 أبريل 2013

قصاصات حول النضال السلمي والنضال العنيف (1)




تظهر بين الفينة والأخرى أصوات غاضبة ـ لها كامل الحق في غضبها ـ لما نشهده من ظلم وغبن واحتقار للإنسان الموريتاني وامتهان واستهانة بعقله وكرامته ، تظهر هذه الأصوات عاكسة غضبها الكبير في بعض التصريحات الحادة أو أحيانا في ردود الأفعال العنيفة ، بعض هؤلاء ممن حدثني مقتنع تماما أن الحل الوحيد في موريتانيا اليوم هو العنف والتنظيمات المسلحة .
وأنا على يقين تام أن العنف والتطرف والإجرام المنظم بكل أشكاله من حيث المبدأ هو فقط ردة فعل على عنف وظلم الدولة، لذلك قال عمر بن عبد العزيز لأحد ولاته حين طلب نفقات للتحصين : "حصنها بالعدل" !

عودا إلى بعض التعريفات والمفاهيم التي قد تساعدني في هذا العرض، أحب أن أنوه أولا إلى أن السلمية كقوة فاعلة في التغيير ليست سوى وسيلة من بين وسائل عرفها التاريخ وكانت على رأسها الوسائل العنيفة  .

العنف هو ردة الفعل البديهية الشافية لغليل المظلوم والغاضب ، وقد يكون عملا منظما وتابعا لخطة استراتيجية ورؤية صلبة وواعية ـ شيئا ما ـ ، لكنه يبقى الخيار الذي ينشر ثقافة العنف في المجتمع وغير مضمون النتائج ويجعل الصورة العامة للمشهد الذي تدور فيه أحداث العنف غامضة وغير أخلاقية عموما ، وتضيع الحقيقة في الكثير من جوانبها ولا يمكن تمييز القاتل من المقتول وأعداد الأبرياء الذين لا حصر لهم الذين قد يذهبون ضحية اشاعته والإسهام في إضرام ناره ، وحتى لو انتصرت قوى التغيير بالعنف فسيبقى العنف هو الثقافة السائدة التي سيلجأ لها الجميع في حل أبسط المشاكل خصوصا في بلد تكاد فلسفة الدولة والنظام العام فيه تختفي .  

لنعد إلى النضال السلمي : وهو نضال تمتزج فيه العزة والكرامة بترسيخ ثقافة المقاومة والأخلاق ، يساعد النضال السلمي على عكس العنيف على تماسك المجتمعات وصهرها وإعادة تشكيل وعيها على الأسس السلمية والحضارية ، وكما أن العنف يحول المجتمع الى مجتمع عنيف يتحدث بالرصاص والبارود وضيق الأفق فإن النضال السلمي يحول المجتمع الى مجتمع مسالم متحضر يستخدم الاساليب السلمية دائما لحل مشاكله .

من الناحية العملية والتاريخية أنتجت التجارب العنيفة في التغيير الكثير من المخلفات الرهيبة على المجتمعات والدول :
ـ استقلت الجزائر عام 1962 على اثر ثورة عارمة وعظيمة دفعت فيها مليون شهيد ،، لكن الاستقلال الداخلي للجزائر لم يتم حتى الآن .. لازالت تحت وصاية العسكر وتمثل مسرحية ديمقراطية معلومة الفصول والنتائج
حين نجح الاسلاميون في الانتخابات الجزائرية وركنوا بعد  الانقلاب عليهم الى العنف عاشت الجزائر أفظع عشر سنين من عمرها غابت فيها الحقيقة إلا حقيقة واحدة وهي الرعب الذي شكل ثقافة الشعب الجزائري حتى الآن .

وفي المقابل كانت النماذج السلمية أكثر فاعلية  :
ـ حين دخلت القوات البريطانية الهند واجهتها مقاومة عنيفة شرسة على مدى 200 عام تقريبا أظهر الهنود بمختلف أعراقهم وأديانهم بسالة واستماتة في الدفاع عن بلادهم لكنها ظلت بلا كبير فائدة في عملية التحرير ،
لكن :
حين بدأ غاندي في اعلان المقاومة السلمية على الانجليز كلفه تحرير الهند 20 عاما تقريبا ، ... الاجابة البسيطة أن 20 عاما من النضال السلمي المنظم نجحت في انجاز ما أعجز النضال العنيف لـ 200 عام .... يتبع