الجمعة، 24 يونيو 2011

لم تقنعني بعد !

لأني أريد أن أقنع نفسي أنك تحاول بكل ما تقوله إقناعي ، أجيبك بكل صراحة : لم تقنعني بعد يا سيدي .

حين تحاول إقناعي بوجود إصلاحات اقتصادية ، فأنظر فلا أرى إلا نهب الثروات ـ أخيرا الثروة السمكية ـ وبيع الممتلكات العامة وإحداث قعر كبير في وسط العاصمة ببيع كل الساحات الحيوية ـ من بلوكات التي يفترض أن تكون رئة لوسط العاصمة إلى مقر الموسيقى العسكرية ـ فستحتاج ابتكار أسلوب جديد غير أساليبك القديمة التي عرفها البشر لتقنعني .

وحين تحاول إقناعي أن عزيز " رئيس الفقراء" وأنهم إحدى أهم أولوياته فعليك أولا أن تقنع فاطمة التي زاحمت كثيرا ـ لساعتين ـ بالأمس أمام دكاكين "التضامن" لتخرج بقطع بالية وصغيرة من السمك بتخفيض 30 % وهو نقص يوصل فقط للثمن الطبيعي ـ بسبب غلاء الأسعار ـ فإذا فشلت في إقناع فاطمة ـ فصدقني ـ لن تقنع عائشة و أمباركة و كمبه ،

اللواتي يقمن بإعتصامات دورية لبعض الليالي أمام القصر الرئاسي ، ومشكلتهن أنهن لم يجدن مأوى يبتن فيه ، أنهن رفقة الآلاف من المرحلين أو الذين جرفت منازلهم ـ دون الالتحاق بمستوى المرحلين الذين وجدوا قطع ارض جرداء ـ يبتون في العراء ويلتحفون السماء ، وأن الآلاف من الأطفال لم يلتحقوا بمدارسهم لهذا العام ولا يرجون التحاقا في العام القادم ، حين تقنعهم أن كل ذالك خطة ـ مرسومة ـ لإنقاذهم من مجموعة " أرواح شريرة" تقيم في أحيائهم أو أنها أحياء مسكونة ومن الأحسن أن يسكنوا في العراء في تلك الحياة البدائية التي عاش فيها الإنسان في العصور الحجرية ـ فقد تقنعني ـ .

حين تحاول إقناعي أن قطاع الصحة جيد ، فستحاول إقناع دكتور ما في قسم الأمراض الباطنية بالمستشفى الوطني أن يقوم باختبار تخطيط القلب عن طريق الجس ـ مثلا ـ مع العلم أن أجهزة تخطيط القلب تباع في شوارع دكار ،

أو عليك إقناع السيدة آمنة التي تقيم في المستشفى من رمضان الماضي لأنها تستبدل ضماداتها كل يومين لكي تفرح لساعات قليلة بنزيفها ـ لأنه الوحيد الذي يخفف آلامها ـ ، هذه السيدة ـ سيدي ـ تكفلت الدولة بعلاجها في المغرب ، قامت بتجهيز كل شيء لها من تذكرة وإجراءات رفع وغطاء مالي جامد قدره مائة ألف ـ اكتشفت آمنة المسكينة ـ أن مائة ألف تكفي لشراء وصفة واحدة أو فحص واحد فقط ،

عليك إقناع الفتاة ذات 16 ربيعا الموجودة الآن في مستشفى الشيخ زايد منذ 5 أيام عاجزة عن دفع ثمن فحص الدم ،

وعليك إقناع آلاف الأطباء الذين يعيشون حالة مادية ومعنوية مزرية ،

كما عليك إقناع المواطنين في الداخل ـ في أي مكان منه ـ اللذين لا يجدون حلا سوى التنقل لأنواكشوط حتى يصيروا في ـ رتبة ـ " آمنة " و" الفتاة " .

أما عن الإصلاحات السياسية وعن جو الديمقراطية فسأفرد لك صفحة " وورد " أخرى ، صدقني ـ أيضا ـ على الصعيد السياسي لم تقنعني .

الخميس، 16 يونيو 2011

ساعة عبد الله २

بدأ عبد الله يحدق في تلك الذبابة التي بدأت تظهر بعض النشاط الموحي بأنه صباح جديد داخل دكان بائعة الخضار ، من حسن حظه أن السالم يأخذ يومين كعطلة عن السب فقط لأنه يخرج قبل الفجر كي يلتحق بصديق قديم في مكان ما ......

المسح العرضي للحي يشعرك بدخول عالم من الحياة الباردة ، وشظايا مشاعر ملبدة بالهموم تحاول الخروج من عنق ضيق لكنها لا تجد طريقا لأن سيول المشاكل والآهات تحاصرها ،

أم التوائم ـ رغم ذالك ـ تخرج منها كلمة " وني " كلما قابلت أي شخص مهما كان ، رغم كل شيء مؤلم في حياتها ، رغم أنها تعرف تماما أنها ستطعم أيتامها العشرة اليوم لأنها بائعة خضار مثقلة بالديون ،

طار الطائر الأول عن عشها الصغير حين قرر القدر أخذ زوجها ذات إسهال بسيط تعامل معه برعونة لأنه لم يجد طبيبا ليقول له "كفى" ، هناك طائر صغير آخر يستعد للطيران .......

اليوم يحدثها عبد الله داخل الدكان وهو يسوم بعض الطماطم بعد أن تعب من رمي الذباب بأطراف أصابعه ، "الرئيس سيزورنا اليوم" تجيب بصوت ضعيف متواصل وسريع " الرئيس أطال الله بقاءه طيب ، المشكلة فقط فيمن هم تحته ،،، يكذبون عليه بشأننا " ، لمس جبينه وهو ينظر بطريقة غير مفهمومة إلى قطعة اليقطين الكبيرة " ما أنا متأكد منه أن هناك شخصا ما يكذب على شخص ما ،،، لكن في الأخير نحن هم الضحية ."

عاد الجو إلى هدوءه من جديد وتعود عبد الله على حركة الذباب ، يجب عليه الإستعداد ، لاشك أنه سيصيح اليوم كثيرا " عاش الرئيس " لكي لايذهب الرئيس بإنطباع سيء عن الحي ، لا الجيمع سيصيحون " عاش الرئيس " " لامشاكل عندنا سيادة الرئيس في حكمك العمري الطاهر ، أنت الشعب والشعب أنت ، أنت القائد الملهم " ثم بعد كل شيء سيفكر الجميع في ذالك الحي بصوت مرتفع ليصلوا أخيرا ـ بصوت مرتفع ـ إلى أن من هم تحت الرئيس يكذبون عليه بشأنهم ، أو أن هناك شخص ما يكذب على شخص ما لكنهم هم الضحية ،