السبت، 29 سبتمبر 2012

سقوط الملك ! ـ قصة قصيرة ـ




لم يبقى حوله إلا الفارس شاهرا سيفه متقمصا شكل الواثق الذي تدرب جيدا عليه في جو مفعم بلغة العيون و الإيحاءات و إن كان الفارس قد تدرب جيدا على تقمص الشخصيات الواثقة المتفائلة في أسوء الظروف فهو أيضا تعود مع مرور الزمن على لغة الإيحاءات ، لقد قرأ في عيون الملك الآتي:
" لم يبق من قواتنا إلا كتيبة الفرسان اليمنى وليس لديها إلا خطا مناورة فيما الخناق يزداد حدة عليه ، قوات الوزير تقترب من اليمين والفيلة التي ترصد الرقع السوداء تراقب الرقعة اليسرى القريبة ، فيما يحرس الفارس الرقعة البيضاء الواقعة يساري .
في السابق كان صف الجنود الأول يلقي ترنيمة العزة المعتادة التي تحوي تمجيدي ومنعتي ، كم كان منظرا رائعا ومشبعا بالسلطة والقوة والسمو ، لا أشبع منه أبدا !
كان لدي كتيبتا فيلة مهيبتين رائعتين موزعتين بتخصص يشعرني بذكائي المميز إلى رقعتين سوداء و بيضاء تحرسان أربعة كتائب من الجنود التي تحرس عظمتي ........ "
هكذا كانت عيون الملك الممتلئة بالحسرة والرعب .
لم يكن الفارس يملك الوقت الكافي لقراءة عيون الملك حتى النهاية فأمامه أربع مناورات حتمية تفضي إلى نتيجتين حتميتين : إما أن يموت أو يموت الملك قبله ، وحين تكون الخيارات حتمية فإن أصعبها وأكثرها إيلاما هو البقاء قيد الحياة كما هو واجبه ، وهو أن يناور غير بعيد في نقاط محدودة إلى آخر لحظة .
  تنهد في مقاومة شرسة لليأس " ما أصعب هذا !"
هكذا الملك في اللحظات الأخيرة ، تذكر بالأمس القريب آخر تقرير ينبئ بضرورة تقليل قوات الحراسة الشخصية التي تعطل كتيبة الفيلة وكتيبتي الفرسان وثلاث كتائب من الجنود ، رغم أن الجميع أقنعه بضرورة المناورة بهم او حراسة الاماكن اللوجستية الهامة للملكة لكنه كان يرد مزمجرا في غضب :
" لن أفعل فأعدائي كثر والناس يكرهونني لأنهم أغبياء وحاسدون حقيرون ، لم يكرهوا أبي لأنه كان غبيا مثلهم ، كان يجالس الحداد والجندي ويحط من منزلته ولم يهتم بأمر الحراسة حتى زاره سهم من هؤلاء الهمج ...... او احد الغزاة ، أما انا فلن أتخلى عن حرسي الشخصي لأن الغزاة يقومون بهذه الغارات كل عام ليستحوذوا على مزارع سخيفة ويعودون تحت خوفا من الصقيع الذي يحولهم إلى جيف كالدجاج المريض  ، انا لا أخاف علي من الغزاة ، أنا لا اخاف من غدر هؤلاء الرعاع الهمج لأن بعضهم لم يعرف مكانته الحقيقية أو مكانتي بالنسبة له "
لكنها لم تكن لأجل المزارع هذا العام ، وحتى الغزاة لم يكونوا نفس الغزاة كل عام لقد ضربوا حرسه الشخصي في لحظة سكر فيما كانت كتيبة يقودها الوزير تعمل المستحيل لاختراق صفوف الغزاة غير آبهة بتنظيم الجبهات الداخلية لأن سلطة الوزير هناك تشبه سلطة المهرج ، لقد قرر أخيرا أن لا يقوده أحد غبي وأن يستمر في المناورة حتى يجد ثغرة في الرقعة الواسعة فيختار بلدا آخر يقدر عظمته ، تلقى الكثير من رسائل الاستعطاف والتهديد من الملك لكنه كان قد قرر سلفا أن لا عودة وانتهى الامر بالنسبة له ، هناك يتقلب الملك المدلل على الجمر غضبا أن وزيره عصى أمره للمرة الأولى التي يفعلها احد في مملكته ، فقرر الانتقام الشرس ، ودس شخصا في كتيبة فرسان الغزاة الثانية كدليل إلى حيث يوجد الوزير ، ولم يبقى للوزير المسكين إلا لحظات يقظة على فزع يندب فيها السنين التي كان فيها وفيا لملك سيء وفاسد .
كانت تقارير أخرى توقظ الملك من خمرته وسهراته الحمراء فيرمي عبوات الخمر على النذير ويأمر بقتله فلا أحد يفسد حفلة الملك كي يخبره بمقتل جميع أفراد جنود المشاة والحرس الشخصي من الفيلة وسقوط القلاع ، كان يصيح بهستيرية وخوف "هناك الفرسان والشتاء" لكن الوقت كان قد نفد ، افاق من سكره للمرة الأخيرة على رماح قلاع العدو التي تصل مد البصر وعلى فيلة العدو التي تحرس الرقعة السوداء الى اليسار وفرسان العدو تكمن في الرقعة البيضاء الى اليسار فيما تم احتلال الرقع الأخرى من قبل الوزير .
في حياة بعض الملوك ينقسم الزمن إلى مرحلتين متعادلتين تعكسان نفس العمق ، الأولى : عمر من السطوة الغير محدودة والعنجهية والقوة التي تشعره بخلودها وعالمه اللانهائي في عقله ،و الثانية : لحظة السقوط حين يتلاشى كل شيء وتختفي كل الفرص إلى الأبد.

هناك تعليقان (2):