الأربعاء، 8 مارس 2017

المرأة في موريتانيا

هذه التدوينة هي مشاركة في حملة تدوينية موريتانية حول وضع المرأة في موريتانيا

                                   
مكانة المرأة في الثقافة البيظانية هي مكانة معقدة فهي "عمايم الأجواد ونعايل لكلاب" وفي نفس الوقت "تعدل النيثي ألي اطم من خلاكتها : تبط خوها سقير" ويبدو هذا التناقض الطريف في اعتبار المرأة ما بين رمزية العمامة وكارثة الوجود ،وإن اختلفت تلك الاعتبارات من مجتمع إلى مجتمع، بوجود ذلك الميثاق الضمني بينها مع المجتمع يقضي بأنها ستكون من عمائم الأجواد حين تتماها مع الأنساق الستاتيكية للمجتمع وتستمر في إعادة تدويرها ويكون وجودها بين الأحياء مصيبة مساوية لمصيبة أذية أخيها الصغير حين تخرج على النسق ولو قليلا ، نفس الميثاق الضمني – تقول الدكتورة مريم باب أحمد- هو الذي يخلق سعة في مساحة التصرف في المرأة المشاهد اليوم (الدراسة في الخارج والعمل في بعض المراكز العليا ) في مقابل الحفاظ منها على الأنساق الستاتيكية سابقة الذكر.


الدكتورة مريم منت بابه أحمد


موضوعي هذا هو عبارة عن خلاصات (بتصرف) مقابلتين أجريتهما مع كل من الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار، المرشحة لنوبل للسلام، والباحثة الاجتماعية والانتربولوجية الدكتورة مريم منت باب أحمد .

من الصعب الحديث عن المرأة الموريتانية بشكل مجمل فهي بنت الكثير من الاعتبارات الاجتماعية المتباينة التي تختلف من عنصر إلى عنصر ومن ثقافة إلى ثقافة ومن حيز إقليمي إلى حيز آخر ، تطبق الملاحظة السابقة في بلد مازال الحاكم الأكبر فيه هو العرف وهو مناص حل أكثر الاشكالات الموجودة في ظل ضعف القانون (خصوصا فيما يتعلق بحماية حقوق المرأة) وضعف تطبيقاته وإحالة أغلب المواضيع المتعلقة فيه بالمرأة إلى التأويل الذي يكون نابعا - في العادة - من خلفيات المؤول الثقافية والاجتماعية وتجاربه الشخصية مما يضع الكثير من الحقوق الخطيرة على محك نسبية كبيرة في الأحكام والاعتبارات ، لذلك أفترض أن أي حديث عن المرأة الموريتانية يجب أن يوزعها مبدئيا إلى المكونات الاجتماعية الثلاث الكبيرة (البيظان والحراطين والزنوج – رغم التباين الكبير داخل كل المكونات والمكونة الأخيرة خصوصا - ) .


الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار


المرأة الحرطانية : هي وريثة لصفة الرق السابق وكل ما مازال يحمله من اعتبارات ثقافية واجتماعية وحقوقية .




 ترى الدكتورة مريم منت بابه أحمد أن الطبيعة الاجتماعية التي تحدد مسار حرطانية الريف تجعلها آخر من يخرج من الأرياف ، فشباب الحراطين ينتقلون للمدن بحثا عن العمل وتبقى الفتيات في الريف لفترة أطول حيث مكان التغطية الاعتبارية لمكانتها الاجتماعية (مسترقة سابقة) حاضر بشكل كبير وملازم لها فتمارس الأعمال الهامشية كالخدمات المنزلية ويظل ملازما للخطاب الذي يتم التعامل به معها في المزح أوالجد مكانتها الاجتماعية في أسفل الترتيب الاجتماعي .
تضيف الدكتورة أن مشكلة التعليم أيضا تعتبر أكبر المشاكل حضورا بالنسبة للمرأة الحرطانية فقد يوجد الحرطانيات في مراحل الدراسة الأولى لكنهم مع التقدم يتناقصون بشكل ملحوظ إلى أن يصلن للحضور الضئيل في المراحل العليا من التدريس .
وتؤكد رئيسة منظمة رابطة النساء معيلات الأسر والمرشحة لنوبل للسلام السيدة آمنة منت المختار أن أكثر جرائم الاغتصاب والعنف الجسدي التي رصدتها منظمتها كانت الضحايا حرطانيات ، كذلك تشهد نسبة وفيات الأمهات عند الولادة رقما كبيرا بالنسبة للحرطانيات مقارنة ببقية النساء الموريتانيات .

المرأة الزنجية :  تعاني المرأة الزنجية في المجتمعات الريفية من الاستغلال الذي يصل أحيانا مرحلة السخرة ( العمل في الحقل والبيت والرعي في نفس الوقت دون أي عائد مادي عليها) وتعاني من الضرب المشرع ثقافيا (فالتي يضربها زوجها في بعض الثقافات الزنجية يعني أنه يحبها أكثر) كما تنتشر حالات تعدد الزواج والمشرعة أيضا بشكل شائع في الثقافة ويفرض على المرأة الزنجية (في الريف خصوصا) التعامل معه كحال واقع طبيعي .




ترى الدكتورة مريم أن المسارات التي تخوضها المرأة الزنجية الناجحة في موريتانيا هي مسارات منطقية و"ذات معنى" وتكون عادة ناتجة عن كفاح شخصي عاشت أغلب محطاته بمجهودها الخاص على عكس المرأة البيظانية (العربية/البربرية) التي سأوضح في الفقرة التالية الطريقة التي تختلف فيها عن الزنجية في هذا السياق بالتحديد – برأي الدكتورة-

المرأة البيظانية : أبدأ من حيث انتهيت في الفقرة الماضية وتحديدا مع فكرة المسارات المنطقية للنجاح . إن انتشار ظاهرة تمدرس الفتيات البيظانيات في الخارج وتمكن بعضهن من الولوج إلى الحياة العامة في الغالب – حسب الدكتورة مريم –  داخل في الاتفاق الضمني الناص على بقاء جوهر النظرة التقليدية العامة حول المرأة البيظانية داخل المجتمع على ما هي عليه، فتندر العصامية في النساء البيظانيات رغم وجود بعض الأمثلة الاستثنائية .. 






الدكتورة مريم لا ترى أن كل هذا الحضور للمرأة البيظانية في التعليم والتوظيف يعد بتغيير الاعتبارات الجوهرية للمرأة في المنظومة الاجتماعية وإنما هو جزء من إعادة تدويرها بطرق أخرى مما يجعل تغير المعنى والجوهر غائبان في هذه التغيرات ، ولا تغفل الاستثناءات الموجودة .


وفي جانب المعاناة ترزح المرأة البيظانية ضمن الكثير من القوالب العرفية والعادات الغير عادلة التي تكبل حقوقها ، ومن تلك القوالب العرفية الغير عادلة أساليب التعامل مع الطلاق وثني المطلقة من المطالبة بحقوقها  (رغم وجود مدونة أحوال شخصية) لذلك في الغالب ما ينسلخ الزوج من واجباته مستفيدا من تلك القوالب العرفية التي يفرض فيها ذوو المطلقة عليها عدم المطالبة بحقوقها ( لا داعي للفضائح.. الخ) وحينها يقع على المطلقة عبء التربية والرعاية والنفقة ، وهنا تحمل الناشطة الحقوقية آمنة منت المختار الجهات المعنية المسئولية في ضعف التغطية ونقص الصرامة في حل الاشكالات من هذا النوع .

كما لازالت توجد جيوب لعمليات التسمين والختان داخل أوساط متفرقة من المجتمعات الموريتانية الختلفة .


المرأة الموريتانية : تصنف منت المختار من مكانها كحقوقية أهم المشاكل التي تقاسيها المرأة الموريتانية بشكل عام :
-         المشاكل الاقتصادية :
·      الملكية الغير محددة بشكل واضح في القانون ويدخل في ذلك التركة (الميراث) ملكية الأراضي .
·      حرمانها من القروض الكبيرة أو المشاركة في صياغة السياسات الاقتصادية
·      مخلفات الطلاق من أعباء الإعالة وتكاليفها الملقاة على عاتقها بسبب الأعراف والتقاليد  

-         الاعتداءات الجسدية والجنسية :
·      الاغتصاب والذي تعزوه الدكتورة مريم إلى منظومة معقدة من الأسباب وليس الانفلات الأمني سببها الوحيد رغم كونه سببا مهما ، بل أيضا - حسب الدكتورة - يتضمن التفكك الأسري وغياب الرقابة والتربية البيتية المتكاملة وفوضوية تطبيق القانون وكونها غير رادعة لو طبقت  ثم نظام الصلح الذي كان هو الفيصل فيما يقارب من 60% من حالات الاغتصاب التي تصل المحاكم الموريتانية ، ويرجع وجود نظام الصلح بشكل كبير بسبب التكاليف المالية والنفسية الباهظة في متابعة قضايا الاغتصاب من قبل ذوي الضحايا  والبيروقراطية الفوضوية في المحاكم والتحقيقات التي تجري ضمن الكثير من الحالات في نسق اتهام الضحية (ماذا كنت تلبسين ؟! ، مالذي جعلك تتأخرين ؟! ، لماذا تخرجين ؟! ، هل تعرفين الجاني ؟! ... إلخ )
·      ويشهد العنف المنزلي ضد النساء والفتيات انتشارا مضطردا إن بسبب وجوده في بعض الثقافات الموريتانية تقليديا أو دخوله بشكل متزايد في ثقافات أخرى لم يكن موجودا فيها .
·      التحرش الجنسي : ترجع الناشطة منت المختار أحد أسباب التسرب المدرسي إلى انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في المدارس من قبل الاساتذة ، كما تؤكد وجود مستويات أخرى من التحرش في المكاتب ومقار العمل .
·      الزواج المبكر ، الذي تربطه منت المختار بعدة عوامل منها انفلات الأمن (التخلص من البنت قبل أن تأتي بفضيحة اثر اغتصاب ) أو الفقر والجهل .
وفي ظل غياب العدالة أو شللها الكبير في التعامل مع قضايا المرأة تعاني أيضا المرأة المهاجرة (الغير موريتانية ) أحيانا من اعتداءات جسدية أو نفسية كان من بينها الاعتداء الشهير على المواطنة السينغالية من قبل قوات (أمن الطرق) ثم حالات اتهام كثيرة بالسرقة من المشغلين والتي لا تنال قسطها من التحقيق الكافي وإنما يحكم فيها بالأهواء مهما كانت حقيقة  الاتهام .


في هذا الجو الضارب في التعقيد والخلط بين ما هو جوهري وما هو مظهري ، بين ما هو حق وما هو منحة، يستمر فلك هذا المجتمع مترنحا باتجاه مصير ما، قد يحدد هذا ويسوقه في الاتجاه الأمثل إيجاد مكانة أصيلة وعادلة لنسبة أكثر من 80% في المجتمع  (حراطين وزنوج ونساء) ومن هؤلاء جميعا تشكل نسبة النساء في موريتانيا تقريبا 53% .