الجمعة، 21 ديسمبر 2012

رأيت فيما يرى النائم



رأيت فيما يرى النائم كأن قوما ذووا ميول غريزية في بيع الدموع و جني الثمار من مآسي الآخرين ، رأيتهم وكأنهم يذرفون دموعاً أشبه ما تكون بدموع التماسيح سكبوها بجود كبير يعكس تأثرا عميقا على قرية من الضحايا والقتلى وبقايا أشلاء ، هكذا عرفت في الماضي وهكذا هي في الحاضر وهكذا يستشرفون لها في المستقبل لأن دموعهم المدفوعةِ أثمانها تتعلق قيمتها بتلك المعاناة .

ولأنها دموع تماسيح كما أوضح لي طيف غامض حين اكتشفت في بعض جوانب النفس الراسخة فيهم والتي تُرَى بوضوح في حالات النقاء ـــ فقط ـــ حين تكون الغريزة الفاحصة في صفاء تام و تكون الإرادة البشرية ـــ التي لا ترى إلا ما تراه العين ويخدعها الكلام ويسرها الغلاف الخارجي للإنسان ولا تملك جوازات العبور لأبعد من ذلك ـــــ ، حين تكون مصفدة تنتظر حيث العالم السفلي البهيمي ، أوضح لي الطيف الغامض في حقائقهم الكاملة جانبهم الضاحك من تلك المعاناة وما تدر عليهم ، رأيت جانبهم الفعلي المبني على ركوب موجات الدموع والتجديف بأعمدة المراثي والتنفس من سموم الكذب والضحكات "الصفراء" ، نعم ميزت الضحكات "الصفراء" كأوضح ما يمكن أن تكون عليه في وقاحتها وحقدها وحِدًّتها دون أن يتحملوا عناءً أن يفصلوا التعبير عن عيونهم الدامعة التي كانت تقطر سعادة وتشفي .

ورسوا على الشاطئ الأول مدعومون بجحافل الدموع وقنابل الصياح ليخرجوا من جُيُوبِهم الخلفية أوراقا تحوي تصورات جاهزة لما يريدون ان يكون عليه الجميع، فتناولها غلمان مخمورون برعود الصيحات وأمطار الدموع مسكونين بالتأثر، رفعوها  لعنان السماء حينها تحولت تلك الدموع إلى تصورات تبادلها النائمون في حركات تلقائية دقيقة بتتابع تشبه أساليب التعليب في المعامل الصناعية ، ومن النافذة خرج الجميع يرتدون نفس التصورات كأنهم حبات من الحصى في تشابههم يصيحون ويذرفون الدموع .

 ولأن الزمكان الذي أفرز الدموع كوسيلة من أسلافهم عن فلسفة يفهمها الأسلاف قبل مزاحمة المنطق والنقد للأفكار في أكثر التزاوجات انتاجا على مر الأحلام تحول التصور من وسيلة إلى صنم مقدس لا لأي تفسير ،جعل الأبناء يذرفون الدموع دون أن يفهموا السبب ، لقد تحولت دموعهم إلى عادة للجميع  بتبرير وحيد "نبكي كما كان آباءنا يبكون" ، لازالوا رغم أن القرية الأولى ردمت في طبقات الزمن ولم يبقى من معاناة لتلك الدموع إلا معاناة واحدة .. هي أن الأبناء لا زالوا يبكون .

فجأة أخذتني رجَّةٌ من موجات النفس البهيمية التي تشاركني العيش حين الصحو ولا تفارقني حتى ساعة تغتسل الروح منها في المياه الأولى من النوم ، بدأت تلك النفس في التوافد إلى العالم الغريب عنها راغبة في إعادة خلط الأمور علي من جديد مما ينعكس على مزاجي أحيانا بالحزن الشديد وسكرة في الأنفاس تجعلني كالمخدر الذي تتخطفه تعاويذُ سدنة السحر الأسود من المدينة الفاضلة ،أو بالفرح العميق أحيانا أخرى كنشوة الناجي من جحيم الكوابيس المتوضئ في النهر الواقع على حدود جنة الواقع ...أو بكليهما معا.

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

ساد "الفساد"




يوم الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب الوحيد الذي قام به حارس القصر "الجنرال" ولد عبد العزيز خرج السيد الجديد للقصر بكرشه المنتفخة رفقة عصابة من العساكر إلى الجماهير التي تخرجها وسائل الدولة بعد جميع الانقلابات الناجحة لتأييدها أو للتنديد بها في حالة فشلها ، قال "الجنرال" يومها أن : (قليل العدالة الموجود عنده سيتم توزيعه بعدالة على الجميع) ، هذه العبارات هي التي جادت بها قريحته حينها ، بعد ذلك طور الخطاب إلى درجة صار شعاره الكبير "الحرب على الفساد" ،  في تلك الحرب المزعومة على الفساد قام الجنرال ولد عبد العزيز بالكثير من التجاوزات منها تقمص دور القضاء في أحيان كثيرة حين قال أنه سيسجن كل المفسدين وهو ما قام  به فعلا فلا زال أحد ضحاياه مسجونا لحد الساعة دون أي محاكمة قضائية في أحد أطول فترات السجن التحكمي في البلاد .

لكن العودة إلى بعض المحطات في حياة "الجنرال" تكشف عن كم عملاق من الاستفادة وممارسة الفساد ولو قدر لشخص "مغفل" آخر أمسك الحكم وأعتمد نفس المبادئ البعيدة عن الطرق القضائية العادية في الحرب على "الفساد" لرمي جنرالنا في إحدى حفر نواكشوط لفترة ليست بالقليلة ، ولو مرت البلاد بتمحيص حقيقي للفساد لكان صاحبنا في مكان عميق في أحد السجون ، فحتى لقبه ورتبته "جنرال" مرت بالكثير من مراحل الفساد ، فصاحبنا ليست معه شهادة الباكالوريا التي توصل لمدرسة الضباط بالطريقة العادية ، صاحبنا ميكانيكي تم إدخاله في الجيش بالوساطة وتلقى كل التدريبات التي مر بها عن طريق الوساطة وتم تقريبه بشكل كبير من معاوية حتى صار مرافقا عسكريا له عن طريق وساطة أصهاره ، حصل على رتبة عقيد عن طريق معاوية بعد أن أبلى بلاءا حسنا في إفشال محاولة الانقلاب التي قام بها صالح ولد حننه ، قاد عملية انقلابية على معاوية وتعهد رفقة زملاءه بقيادة مرحلة انتقالية تفضي إلى الديمقراطية وأثناءها وبعد انتخاب أول رئيس منتخب قام بضغوطات كبيرة على الأخير لتتم ترقيته رفقة مجموعة من أصدقاءه الخلص إلى جنرالات رغم أنهم من أحدث الجنود وأقلهم خبرة وخدمة عسكرية .

في إطار النهب الممنهج لثروات الدولة التي بدأت هي الأخرى منذ وصول حكم العسكر على الأقل ساهم "المحارب ضد الفساد" كثيرا في بناء ثورته بالطرق الملتوية من زبونية واستخدام نفوذ وغيرها ومن بين الشركات التي يملكها والاستثمارات التي يملكها أو يملكها عن طريق وسيط والتي تقوم بمشاريع للدولة من بينها احدى الشركات التي توفر معدات انشاء الطرق والنقل الكبير وشركات لتوزيع النفط (NP)  ويملك الجنرال محميات طبيعية ووسيطه في ممتلكاته الغير مسجلة باسمه "أفيل ولد اللهاه"  المعروف "بسمسار الرئيس" الذي كان بالأمس القريب فقيرا يتسول أعقاب السجائر في مقاطعة الكصر والذي يملك عشرات الاستثمارات من عقارات وشركات استيراد وتصدير ومساهما في شركة "أسنيم" ومالكا لفندق "مرحبا" وأخيرا صار المساهم الأكبر في "بنك الشباب" ومساهما في بنك أهل غده المعروف بـ "معاملات إسلامية" ، في زيارة الجنرال لانواذيبو الشهيرة بخطابه "القذافي" كان في صحبته سمساره "أفيل" وتمت سرقة مليون أوقية من سيارة أفيل فقال أنه لا يهتم لشأن الميلون يريد فقط كمبيوتره لأن عليه بعد المعلومات ، أما المليون التي سرقت من أقوات المساكين من هذا الشعب فهي ليست مهمة لأن تعويضها لا يحمل كبير تعب J ، وتواردت الأنباء عن نفس السمسار خسارة عشرات الملايين في ألعاب القمار في اسبانيا دون أن يهتم .
  
أثناء حربه الطاحنة على "الفساد" نسي الجنرال أن يحارب طمعه وأن يكتفي بالمعاملات التي يدريها قريبه "أفيل" أو التي ملكها في هدوء أو في جو عاصف بالتحدي والابتسامات الصفراء الساخرة التي يصدرها بين الحين والآخر ، لم يكتفي بالثروات التي سلبها بل أوغل في الإجحاف بالوطن وفي الصفقات التي لا تترك للشخص تفسيرا سوى أنه ينال عملات عملاقة منها أو أنه المالك الفعلي لتلك الشركات التي عقد معها اتفاقيات ، منها اتفاقية الصيد الصينية وتجديد الاتفاقيات المعدنية المجحفة وكأن الهواية ليست الثراء الفاحش على حساب الوطن فقط بل أيضا حب الإفساد على رأي المثل "الحمار منين يشرب الما يكبو" .