الجمعة، 21 ديسمبر 2012

رأيت فيما يرى النائم



رأيت فيما يرى النائم كأن قوما ذووا ميول غريزية في بيع الدموع و جني الثمار من مآسي الآخرين ، رأيتهم وكأنهم يذرفون دموعاً أشبه ما تكون بدموع التماسيح سكبوها بجود كبير يعكس تأثرا عميقا على قرية من الضحايا والقتلى وبقايا أشلاء ، هكذا عرفت في الماضي وهكذا هي في الحاضر وهكذا يستشرفون لها في المستقبل لأن دموعهم المدفوعةِ أثمانها تتعلق قيمتها بتلك المعاناة .

ولأنها دموع تماسيح كما أوضح لي طيف غامض حين اكتشفت في بعض جوانب النفس الراسخة فيهم والتي تُرَى بوضوح في حالات النقاء ـــ فقط ـــ حين تكون الغريزة الفاحصة في صفاء تام و تكون الإرادة البشرية ـــ التي لا ترى إلا ما تراه العين ويخدعها الكلام ويسرها الغلاف الخارجي للإنسان ولا تملك جوازات العبور لأبعد من ذلك ـــــ ، حين تكون مصفدة تنتظر حيث العالم السفلي البهيمي ، أوضح لي الطيف الغامض في حقائقهم الكاملة جانبهم الضاحك من تلك المعاناة وما تدر عليهم ، رأيت جانبهم الفعلي المبني على ركوب موجات الدموع والتجديف بأعمدة المراثي والتنفس من سموم الكذب والضحكات "الصفراء" ، نعم ميزت الضحكات "الصفراء" كأوضح ما يمكن أن تكون عليه في وقاحتها وحقدها وحِدًّتها دون أن يتحملوا عناءً أن يفصلوا التعبير عن عيونهم الدامعة التي كانت تقطر سعادة وتشفي .

ورسوا على الشاطئ الأول مدعومون بجحافل الدموع وقنابل الصياح ليخرجوا من جُيُوبِهم الخلفية أوراقا تحوي تصورات جاهزة لما يريدون ان يكون عليه الجميع، فتناولها غلمان مخمورون برعود الصيحات وأمطار الدموع مسكونين بالتأثر، رفعوها  لعنان السماء حينها تحولت تلك الدموع إلى تصورات تبادلها النائمون في حركات تلقائية دقيقة بتتابع تشبه أساليب التعليب في المعامل الصناعية ، ومن النافذة خرج الجميع يرتدون نفس التصورات كأنهم حبات من الحصى في تشابههم يصيحون ويذرفون الدموع .

 ولأن الزمكان الذي أفرز الدموع كوسيلة من أسلافهم عن فلسفة يفهمها الأسلاف قبل مزاحمة المنطق والنقد للأفكار في أكثر التزاوجات انتاجا على مر الأحلام تحول التصور من وسيلة إلى صنم مقدس لا لأي تفسير ،جعل الأبناء يذرفون الدموع دون أن يفهموا السبب ، لقد تحولت دموعهم إلى عادة للجميع  بتبرير وحيد "نبكي كما كان آباءنا يبكون" ، لازالوا رغم أن القرية الأولى ردمت في طبقات الزمن ولم يبقى من معاناة لتلك الدموع إلا معاناة واحدة .. هي أن الأبناء لا زالوا يبكون .

فجأة أخذتني رجَّةٌ من موجات النفس البهيمية التي تشاركني العيش حين الصحو ولا تفارقني حتى ساعة تغتسل الروح منها في المياه الأولى من النوم ، بدأت تلك النفس في التوافد إلى العالم الغريب عنها راغبة في إعادة خلط الأمور علي من جديد مما ينعكس على مزاجي أحيانا بالحزن الشديد وسكرة في الأنفاس تجعلني كالمخدر الذي تتخطفه تعاويذُ سدنة السحر الأسود من المدينة الفاضلة ،أو بالفرح العميق أحيانا أخرى كنشوة الناجي من جحيم الكوابيس المتوضئ في النهر الواقع على حدود جنة الواقع ...أو بكليهما معا.

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

ساد "الفساد"




يوم الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب الوحيد الذي قام به حارس القصر "الجنرال" ولد عبد العزيز خرج السيد الجديد للقصر بكرشه المنتفخة رفقة عصابة من العساكر إلى الجماهير التي تخرجها وسائل الدولة بعد جميع الانقلابات الناجحة لتأييدها أو للتنديد بها في حالة فشلها ، قال "الجنرال" يومها أن : (قليل العدالة الموجود عنده سيتم توزيعه بعدالة على الجميع) ، هذه العبارات هي التي جادت بها قريحته حينها ، بعد ذلك طور الخطاب إلى درجة صار شعاره الكبير "الحرب على الفساد" ،  في تلك الحرب المزعومة على الفساد قام الجنرال ولد عبد العزيز بالكثير من التجاوزات منها تقمص دور القضاء في أحيان كثيرة حين قال أنه سيسجن كل المفسدين وهو ما قام  به فعلا فلا زال أحد ضحاياه مسجونا لحد الساعة دون أي محاكمة قضائية في أحد أطول فترات السجن التحكمي في البلاد .

لكن العودة إلى بعض المحطات في حياة "الجنرال" تكشف عن كم عملاق من الاستفادة وممارسة الفساد ولو قدر لشخص "مغفل" آخر أمسك الحكم وأعتمد نفس المبادئ البعيدة عن الطرق القضائية العادية في الحرب على "الفساد" لرمي جنرالنا في إحدى حفر نواكشوط لفترة ليست بالقليلة ، ولو مرت البلاد بتمحيص حقيقي للفساد لكان صاحبنا في مكان عميق في أحد السجون ، فحتى لقبه ورتبته "جنرال" مرت بالكثير من مراحل الفساد ، فصاحبنا ليست معه شهادة الباكالوريا التي توصل لمدرسة الضباط بالطريقة العادية ، صاحبنا ميكانيكي تم إدخاله في الجيش بالوساطة وتلقى كل التدريبات التي مر بها عن طريق الوساطة وتم تقريبه بشكل كبير من معاوية حتى صار مرافقا عسكريا له عن طريق وساطة أصهاره ، حصل على رتبة عقيد عن طريق معاوية بعد أن أبلى بلاءا حسنا في إفشال محاولة الانقلاب التي قام بها صالح ولد حننه ، قاد عملية انقلابية على معاوية وتعهد رفقة زملاءه بقيادة مرحلة انتقالية تفضي إلى الديمقراطية وأثناءها وبعد انتخاب أول رئيس منتخب قام بضغوطات كبيرة على الأخير لتتم ترقيته رفقة مجموعة من أصدقاءه الخلص إلى جنرالات رغم أنهم من أحدث الجنود وأقلهم خبرة وخدمة عسكرية .

في إطار النهب الممنهج لثروات الدولة التي بدأت هي الأخرى منذ وصول حكم العسكر على الأقل ساهم "المحارب ضد الفساد" كثيرا في بناء ثورته بالطرق الملتوية من زبونية واستخدام نفوذ وغيرها ومن بين الشركات التي يملكها والاستثمارات التي يملكها أو يملكها عن طريق وسيط والتي تقوم بمشاريع للدولة من بينها احدى الشركات التي توفر معدات انشاء الطرق والنقل الكبير وشركات لتوزيع النفط (NP)  ويملك الجنرال محميات طبيعية ووسيطه في ممتلكاته الغير مسجلة باسمه "أفيل ولد اللهاه"  المعروف "بسمسار الرئيس" الذي كان بالأمس القريب فقيرا يتسول أعقاب السجائر في مقاطعة الكصر والذي يملك عشرات الاستثمارات من عقارات وشركات استيراد وتصدير ومساهما في شركة "أسنيم" ومالكا لفندق "مرحبا" وأخيرا صار المساهم الأكبر في "بنك الشباب" ومساهما في بنك أهل غده المعروف بـ "معاملات إسلامية" ، في زيارة الجنرال لانواذيبو الشهيرة بخطابه "القذافي" كان في صحبته سمساره "أفيل" وتمت سرقة مليون أوقية من سيارة أفيل فقال أنه لا يهتم لشأن الميلون يريد فقط كمبيوتره لأن عليه بعد المعلومات ، أما المليون التي سرقت من أقوات المساكين من هذا الشعب فهي ليست مهمة لأن تعويضها لا يحمل كبير تعب J ، وتواردت الأنباء عن نفس السمسار خسارة عشرات الملايين في ألعاب القمار في اسبانيا دون أن يهتم .
  
أثناء حربه الطاحنة على "الفساد" نسي الجنرال أن يحارب طمعه وأن يكتفي بالمعاملات التي يدريها قريبه "أفيل" أو التي ملكها في هدوء أو في جو عاصف بالتحدي والابتسامات الصفراء الساخرة التي يصدرها بين الحين والآخر ، لم يكتفي بالثروات التي سلبها بل أوغل في الإجحاف بالوطن وفي الصفقات التي لا تترك للشخص تفسيرا سوى أنه ينال عملات عملاقة منها أو أنه المالك الفعلي لتلك الشركات التي عقد معها اتفاقيات ، منها اتفاقية الصيد الصينية وتجديد الاتفاقيات المعدنية المجحفة وكأن الهواية ليست الثراء الفاحش على حساب الوطن فقط بل أيضا حب الإفساد على رأي المثل "الحمار منين يشرب الما يكبو" . 

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

روتينية القتل عند وزارة الصحة




أرسل لي أحد الأصدقاء يوم أمس تقريرا حول وباء الملاريا وانتشاره في موريتانيا وتلاعب وزارة الصحة بملفه، يشمل التقرير معلومات خطيرة من ضمنها أن الخطة التي تعمل على أساسها وزارة الصحة في مكافحة وباء الملاريا هي خطة مغلوطة بشكل كبير بحيث يجلبون أدوية لنوع طفلي ليس هو السائد في موريتانيا "فالسيباروم" فيما الطفلي المتسبب للوباء هو "بلاسموديوم فيفاكس" وهو ما يجعلهم يعطون للمواطنين أدوية غير ذات نفع ، مما يؤدي لاستمرار انتشار الوباء واستمرار صفقات الادوية الغير مجدية ــــــــــ غير مجدية كأبسط عرض جانبي لها ــــــ ،أي أن وزارة الصحة ستجلب المزيد من الأدوية في اطار حملات أخرى للقضاء على الوباء وتضع ادارتهم في أيدي مجموعة من المفسدين ليتربحوا من استمرار معاناة المواطنين ...
ما يسمى عندنا بـ "وزارة الصحة" باتت هي الوباء الفعلي التي تقتل المواطنين باستهتارها ولامبالاتها ودراساتها المغلوطة للواقع الصحي في الوطن ليس حبا في الغلط ولا اعتذارا بحجة "الخطأ" وإنما أرواح المواطنين ألعوبة في يد غريزة الفساد والربح السريع السهل على حساب الوطن.
نفس الوزارة هي التي تأبى أن تعترف بوجود مرض وبائي وانتشاره رغم كونه حصد العشرات ، فقد رفضت الاعتراف بوجود حمى الوادي المتصدع أكثر من مرة رغم انتشاره وصياح المواطنين وأهالي المصابين ورعب السكان في تلك المناطق ورعب المواطنين في كل الوطن بعد أن فقدوا الثقة في "كذب" الوزارة .
تنتشر هذه الأيام حالات كثيرة من حمى تصيب الأطفال وتثير هلع المواطنين وخوفهم من الوقوع تحت رحمة المستشفيات والأطباء والأدوية المزورة ووزارة الصحة حتى اليوم لم تتحدث بشأنهم ولو حتى بكذبة .
وآخر الصيحات كانت مذبحة العصافير الذين قضوا نحبهم وهم في أشهرهم الأولى من حياتهم بعد أن تم تقديم حقنات لهم مخصصة لأعمار تفوقهم بكثير .. الجريمة ليست بدعا فهي شيء معتاد في أروقة تجار الدم الوالغين في القتل المستهترين بالإنسان ، الجديد فقط أنها مذبحة سرقت النور من عيون أطفال لم يكملوا نصف عامهم الأول بسبب أخطاء تافهة لاتعني شيئا بقدر ما تعني هوان الإنسان والإنسانية في قلوب "مصاصي" الدماء ألئك .
أذكر الفتاة السمراء التي اصيبت بإسهال بسيط وقتلتها جرعة أدوية مزورة ... لم يحصل في قضيتها أي شيء حتى أنه لم تحصل معها أي قضية .. لقد سلمت جثة هامدة لذويها بسبب رغبة مجرم ما في الربح فصار يجلب للموريتانيين السم لأنهم ـ بالنسبة له ـ ليسوا سوى فئران تجارب لتجارته ... لا أستطيع أن يمر يوم دون أفكر في تلك الفتاة التي ووريت الثرى دون أن يحاسب قاتلها ...
آلاف الأرواح التي ماتت في ظروف الاهمال وبالأدوية المزورة أو بالقتل العمد ولحد الساعة لازال المجرمون يتنعمون بالربح الذي جنوه من جرائمهم تلك .. لازالت دماء الشهيد ولد المشظوفي لم تجف بعد ورغم وجود الشهود في حادثة قتله فلا زال القاتل ومن أمر بالقتل يتجولان في كامل حريتها ... ويخرج علينا نائب وكيل الجمهورية ليقول أن الوفاة حصلت في ظروف طبيعية .
وأخيرا لا أنسى أن سلاح جريمة قتل أعظم عالم رياضيات في تاريخ موريتانيا "يحيى ولد حامدون" تمت بواسطة أدوية مزورة ، ولحد الآن وكالعادة لايزال المجرمون يضاعفون أرباحهم وفي كامل حريتهم وامتيازاتهم  . 

الجمعة، 23 نوفمبر 2012

ضغوط على العمال لإستقبال الجنرال




مارست الإدارات الموريتانية الكثير من الضغوط على عمالها في الأيام الأخيرة لإرغامهم على استقبال الجنرال ولد عبد العزيز العائد من فرنسا بعد أكثر من شهر من العلاج هناك .. 

حدثتني احداهن أن اتصالا وردها من مديرتها لتؤكد لها ضرورة الحضور الساعة الثانية عشر زوالا لاستقبال الجنرال الذي قد تصل طائرته الساعة الثانية ظهرا ..

محدثتي أخبرتني أن الضغوط ممارسة على عمال الادارة فقط ولا تشمل الاساتذة وانها من الادارة الجهوية للتعليم . 

التحذير المبطن الذي توجهه الادارة للعمال "اذا لم تحضر سيتم افتقادك ولن تكون في مصلحتك "

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

عودة الغائب وبعض الفرضيات التي لم تعد كذلك





فاجأ - الجنرال "الغائب" عن الأنظار منذ فترة - الجميع بظهور مفاجئ لأول مرة في قصر الأليزيه  وهو ما ينهي بالضرورة جدلا كبيرا حول حالته الصحية وصلت الأقوال فيها بعض الأحيان لدرجة أنه في غيبوبة ووصلت للعجر أحيانا وهي افتراضات لها ما يبررها فطريقة الاختفاء والتكتم حول حالته الصحية لفترة تصل 37 يوما دون أن يظهر في تسجيل مصور ولو لمرة واحدة لم تكن لتعني إلا ان هناك حالة صحية قاهرة تمنعه من ذلك .

فتح ظهور الجنرال المفاجئ الباب أمام الكثير من الحقائق التي ظل بعضها مجرد فرضيات ـ أو بالنسبة للبعض على الأقل ـ
أول هذه الحقائق أن "الجنرال" الغزواني لاشك قد أحس براحة لأنه أخيرا لم يعد يحتفظ بالسر الحصري ، الجميع الآن بات يعرف حالة الجنرال ولم يعد سرا يؤرق الجنرال لوحده او في محيطه الضيق .
حقيقة أخرى أن "الجنرال ولد عبد العزيز" أرسل رسائل واضحة لم يزل يرسلها من قبل توضح مدى احتقاره لهذا الشعب فحين يظهر لأول مرة بشكل رسمي في قصر رئاسي لبلد أخرى حتى لو كان ضيفا عندها حتى قبل أن يطمئن "الشعب" عن حالته الصحية وقبل أي خطاب رسمي موجه له هو قمة في اعتبار الشعب كأمر ثانوي غير مهم وغير ذي اعتبار عنده بالمرة   .
يوضح أيضا هذا الظهور من جانب آخر المستوى الذي وصلت إليه الوصاية الفرنسية على موريتانيا والتي لم تعد تأخذ طابعا يحاول معه الفرنسيون وأزلامهم في موريتانيا صبغه بصبغة سرية أو بقليل من المراوغة بل وصل أعلى مراتب الوقاحة والمجاهرة مع ذلك الظهور ، الجنرال الذي هو "رئيس الأمر الواقع" في أول ظهور له وبعد شهر و7 أيام دون اجتماع مجلس الوزراء ولو لمرة واحدة ظهر واهتمامه أكبر في بعض الشئون الخارجية حول تحرير "شمال مالي" وقصة ما عن المتطرفين يعرف الجميع كونها لاتعنينا أصلا اذا ماقورنت بأوضاعنا الراهنة  فالجميع يعرف أنها ليست أكثر من حرب بالوكالة عن فرنسا وكلنا نعرف ما عليه حالنا من سوء الأوضاع وتدهورها ورغم ذلك فالجنرال يهتم لتحرير "شمال مالي" أكثر من حالنا . ، هذا ظاهريا على الأقل.
قبل الظهور بأيام بدا أن قيادات في المعارضة موقنة تماما أن "الجنرال" الذي طالبوا برحيله وانسدت كل الطرق التي قد تجمع بينه وبينهم في حوار أو في عملية سياسية مشتركة قد عجز تماما أي أن هذا قد يكون أقل الخيارات تعبا ويبدو أن جهات ما لعبت بهؤلاء السادة لعبا سيبقى في التاريخ ، لقد صرح الأستاذ جميل ولد منصور رئيس حزب تواصل بعجز الجنرال عن مزاولة "حكمه" مع أسلوب تأكيد يصل لدرجة "القسم" حسب بعض الحضور ولم يكن صالح ولد حننه رئيس حزب حاتم بعيدا حين صرح عن عجز الجنرال لفترة لا تقل عن 4 أشهر .

في رأيي لو كنا في بلد بالمعايير السليمة لكان الجنرال اليوم هو أكثر الناس سوء سمعة واحتقارا بين الناس بسبب الاحتقار والصفعة التي وجهها لكرامة الشعب والبلد ... لكان الجميع الآن على قناعة أن من يحكمهم هم مجموعة مع الجنرالات وكالة عن فرنسا ....
لكان رئيس الوزراء الذي عومل كالدمية استفاق وقدم استقالة حكومته ... لكان قادة أحزاب المعارضة أيضا قدموا استقالاتهم بسبب الخلط والفرضيات المكذوبة التي ساهموا في نشرها في الناس وخصوصا بين أنصارهم ...
لكن أي شيء من ذلك لن يحصل أبدا لأننا لم نبدأ المشي وفق المعايير السليمة بعد .

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

يكفي - ça suffit




نحن نعرف أن الامبراطورية الفرنسية استعمرت صحراءنا و ارتكبت فيها الجرائم الانسانية التي ستخرج ذات يوم للذاكرة حين تكون لنا ذاكرة موحدة للوطن ، وفرنسا تعرف أنها استعمرت صحراءنا وأذلت أجدادنا وزاحمتنا في أساليب عيشنا ، نحن لا نطلب ـ على الأقل اليوم ـ من فرنسا أن تعتذر عن ماضيها الاستعماري فهي لم تقم وزنا لمطالب الجزائريين الذين ظلموا أكثر منا و الذين واجهوا من الجرائم ما يفوح به التاريخ الفرنسي من الدموية ، نحن لا نطالبها بالاعتذار ولا نريد فتح الماضي معها ، نحن فقط نقول لها كفى .
كفى تدخلا في شئوننا الداخلية ، كفى معاملتنا وكأننا لازلنا مستعمرة فرنسية، لأننا سئمنا هذا الوضع فعلا .
حين أصيب ولد عبد العزيز في 13 من أكتوبر الماضي صحا الموريتانيون على يوم مرعب فمن كانوا يظنونه رئيسهم أختفى في جوف طائرة فرنسية وغادر الى مستشفى عسكري فرنسي ولأنه كان أشبه بالديكتاتور لأنه يسيطر على كل مفاصل الدولة دون أن يفلت أي صغيرة فيها ، فذلك جعل من كل مفاصل الدولة ومصير هذا الشعب متكئ على سرير فاخر في مستشفى عسكري بين الحياة والموت واتضحت في تلك الظروف البصمات الفرنسية الظاهرة على المشهد السياسي في موريتانيا سواء في اللقاءات مع السياسيين أو في اغلاق المعلومات عن الجهات المعنية في موريتانيا ومن بينها عرقلة رئيس الجمعية العمومية مسعود ولد بلخير في الحصول على تأشيرة الى فرنسا .
ترجع الهيمنة الفرنسية على موريتانيا مع بداية نشأة الدولة ، فقد ذكر المختار ولد داداه في مذكراته كما كبيرا من الضغوط التي كانت تمارس عليه في أيام الاستقلال الأولى او قبله بقليل من بينها بعض الاهانات اللفظية .
في الانقلاب العسكري الأول في موريتانيا كانت المخابرات الفرنسية على علم بما سيحصل كبعض أجهزة المخابرات في المنطقة وكان صمتها عبارة عن مباركة للنظام العسكري الذي وجدت فيه ثقبا عملاقا للسيطرة الغير محدودة .
وكان الجنرال لاكاز المهندس الفعلي للإطاحة بولد هيدالة والإتيان بولد الطائع وطبعا كان النفوذ الفرنسي هو الأول في موريتانيا في عدة مراحل من حكم ولد الطائع الى ان ساءت العلاقة بينه وبين فرنسا هناك بدأ يتضح في الجو العام لسياسة الرجل أنه قد أنتهى ،
 ثم كان الانقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله تحت رعاية الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية في انواكشوط وفي اطار التدخل الفج في السياسة الداخلية الموريتانية زار الشخصية الكبيرة في "فرانس آفريك" روبر بورجي" مهرجان عزيز الانتخابي بعرفات  بشكل علني ، وساهم بشكل كبير في حملة ولد عبد العزيز .
                                                           روبرت بورجي في الصورة 
                                
اما في الفترة الراهنة فكل الخيوط عادت إلى يد فرنسا ، السفير الفرنسي هو الحاكم الفعلي لموريتانيا وهو صاحب القرار في الشكل الذي ستكون عليه موريتانيا ، فزيارات الوفود العسكرية الفرنسية تتوالى آخرها كان الجنرال "برونو كليمان" الذي أتى بشروح وافية من الاليزيه لخطط الحرب ودور الجيش الموريتاني بالتفصيل .
 ليس الشعب الموريتاني من يريد ذلك التدخل الامبريالي من مستعمرينا بالأمس ولكن الطبقة السياسية و اللوبي العسكري النافذ سمح بذلك ، لكن على فرنسا أن تعلم أن عودتها بمحض ارادتها عن التدخل الفج في شئوننا سيكون أحسن لها وأكثر فائدة من أن نعيدها بعد أن يسأم الشعب ذلك التدخل الكريه بطريقة ليس فيها أي خدمة لمصالحها .... على فرنسا أن تفهم ذلك ....

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

حين أتى العسكر






حين أتى العسكر وفي أول يوم لهم أتوا بخطاب سيكررونه عشرات المرات في مسلسل لعبة الكراسي المللة تلك، لقد أدعوا حينها ـــ وكل مرة ــ أنهم أتوا لإرساء مبادئ الديمقراطية ووضع أسس العدالة وإنقاذ الوطن من ويلات الظلم وسوء التسيير ، لم يأتوا وحدهم على دباباتهم ولم ينزعوا الأقنعة ولم يقولوا : "هذا انقلاب عسكري جاء ليستمر الى الأبد في عصور من الظلام والجهل والتركيع والإذلال" .
 لم يقولوا – صراحة-  انهم أتوا لترسيخ التخلف ونشر المحسوبية والقبلية والجهوية والظلم في حياة كل موريتاني .
 أتى العسكر والموريتانيون مليون واحد واليوم 3 ملايين ، مما يعني  مليونا موريتاني تمت إعادة برمجتهم على أخلاق العسكر بعيدا عن أخلاق الصحراء ــ على الأقل ـــ .


لم يظهر العسكر أيا من نواياهم في التحول الجذري الذي سيحدثونه في موريتانيا  إلى الأسوء في جميع مجالات الحياة، ولم يدعوا يوما أنهم سيحكمون موريتانيا لوحدهم بدون مشاركة من أحد ، كل مرة كانوا يُغرُونَ الجميع بخطاب سياسي يسيل له لعاب الشعب المسكين ، لذلك أحضروا مجموعة مدنيين للظهور العلني بالمظهر نصف اللين ، ومنذ ذلك اليوم نحن نصدقهم كل مرة في خطابهم الجديد ونلاحظ كل مرة أوجه المدنيين الجديدة المقدمة لنا .... وبعد ثلاثين عاما لازال العسكر يقومون بنفس الشيء ، يقدمون مدنيين على الواجهة او في زحمة صفوف المصفقين ، ويجددون خطابا وعنوانا لجلد الحرباء الذي سيرتدون.
                                           حفلة يحتفل فيها بعض المدنيين ـ الأدباء ـ بإنقلاب ولد عبد العزيز 

يخبرني بعض الكهول أن "بداية" فترة هيدالة كانت فترة ــ رائعة من تطبيق الشريعة ــ  ، ويخبرني آخرون أن بداية معاوية كانت أشبه بـ "الخلاص" من جحيم ولد هيدالة ، ولقد فرحت كثيرا بخروجنا من جحيم ولد الطائع ، واليوم نعيش جحيم "عزيز".

بعد كل انقلاب عسكري وصعود وجه عسكري جديد نبدأ من الصفر لأن البلد لم يكن قائما على مؤسسات ، كان قائما على شخص واحد يتحكم في كل تفاصيل الحكم وينتهج السياسة التي يراها مناسبة لاستمراره على سدة الحكم وليس لاستمرار الدولة ، منطقه في ذلك شبيه بمنطق الحمار في الموروث الشعبي "منين يشرب الحمار يسوى السيوه تنكب" ـ حين يشرب الحمار يفرغ بقية الماء أرضا ، شاهدنا ذلك مع سقوط هيدالة حين انتهى كل شيء ذا طبيعة مشتركة مع هيدالة وأتت بزات عسكرية "جديدة" في الواجهة واسم جديد ، وحين تم الاسقاط بولد الطائع تم اعادة صياغة كل شيء سواء الدستور أو البرلمان لأنه لم يكن يومها موجود فعلا إلا معاوية لا يوجد غيره ، واليوم حين أختفى عزيز قضى قبل "الرصاصة الصديقة" على كل مؤسسات الدولة تمهيدا لأن يكون "شخصه" هو المؤسسة الوحيدة ، والله العالم غدا من سيكون جلد الحرباء الجديدة وبأي خطاب ــ رنان ـــ سيترنم ؟ ! .
                                          نص الميثاق العسكري للجنرال عزيز ، ـ وهل للعسكر مواثيق ـ 

يقول البعض أن المؤسسة العسكرية هي الأروع تنظيميا والأجمل والأكمل بين جميع مؤسسات الوطن ، وهذه على ما يبدو هي الدعاية التي يغتر بها الكثير من مدنيينا ــ مشرعي الانقلابات العسكرية ـــ ، شخصيا لدي اعتقاد راسخ أن أسوء المؤسسات الموريتانية ــ إن وجدت ـــ هي المؤسسة العسكرية ، التي أقحمت نفسها فيما لا يعنيها ، وأفسدت أخلاق المجتمع وأحدثت تغيرات هائلة إلى الحضيض على جميع المستويات وأفرزت أشخاصا غاية في السوء أمثال ولد هيدالة ومعاوية وعزيز ، لم تفرزهم فقط بل قدمتهم للواجهة ليظلموا موريتانيا ـــ هيدالة ـــ أو ليفسدوا موريتانيا ـــ معاوية ــــ أو ليأكلوا ما تبقى من موريتانيا ـــــ عزيز ـــــ ، ويبدو أن الأخير لم يحالفه الحظ في اكمال أكلته ونهشه في الوطن فلا شك اذا أنه ترك بقية من الوجبة لعسكري آخر أو لعسكر آخرين، فمن سيكمل الباقي ، ومن هم المدنيون الذي سيُخدَعُونَ أو يتآمرون هذه المرة ؟.

                                         فيديو للظهور الأول لمعاوية وأنقلابييه ، بعد اسقاط الانقلابي هيدالة
                                         لاحظ الخطاب وقارنه بماذا فعل معاوية وقارنه بالبيانات الأولى لأي انقلاب 

السبت، 27 أكتوبر 2012

أثر الفراشة - قصة قصيرة -






قبل البداية :
" تأثير الفراشة هو استعارة مجازية لتوضيح الحساسية الشديدة لمحددات البداية لحدث ما ، وتوضح هذه الاستعارة كيف ان حدثا صغيرا جدا يمكن أن تكون له آثار واسعة جدا ."

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 







الموظف في وزارة الداخلية "عبد الرحيم " مصاب بمرض عصبي غامض ليس بالخطير رغم ذلك لم يجدوا له أي مثيل في الارشيف وجميع الكتب الطبية لم يجدوا له أي تصنيف في المستشفى الجامعي بسوسة "فرحات حشاد"
الأستاذ في علم الأعصاب "البروفيسور السرياطي" أطلق على الحالة ، "متلازمة عبد الرحيم" .
عبد الرحيم هو شخص نحيف أسمر ذو ملامح موريتانية قوية وحضور فكاهي تقليدي ، يجمع مجامع الكلم في حسانية الأجداد ذات الطابع نصف الغامض والأسلوب الرصين المنتظم على نسق السيمفونيات الكلاسيكية ، وهو خريج معهد مهني في تخصص النجارة دخل الوزارة مع دخول قريب له على قمتها، إنها الطرق المعهودة للإكتتاب في أي وزارة كما يعلم الجميع ، ليس شخصا سيئا بالمرة بل هو جاد وحاد الذكاء ذا خبرة فطرية في الديكور وتنظيم الأشياء ، ساعده ذكاءه وتطوره وأخلاقه الاجتماعية المثالية مع الجميع في التسلق سريعا إلى عامل مقرب في مكتب مساعد الوزير للشئون الأمنية "أعمر ولد أبوه"  .

المرض الغامض والعمل فرضا عليه ظروفا خاصة من العقاقير المنومة لتفادي الأرق ، فكلما تجاوز عبد الرحيم منتصف الليل أصيب بنوبات اغماء مما يكلفه رقابة طبية ليومين على الأقل يترك فيهما العمل ، الجميع يعرف طبيعته ولذلك فهو يقوم بالأعمال المكتبية ذات الطبيعة الثابتة كالأرشفة، وفي المكتب مجموعة من العمال بعضهم ذا حس ومظهر أمني وبعضهم دخل لأسباب أخرى كحامد .

حامد ، الضابط السابق ، لم يتقاعد فلا زال دون سن الأربعين لكن تحولا طارئا حصل في حياته المهنية نقله إلى سلك الشرطة فهو مهندس معلوماتية متميز اكتُتِب كضابط في الشرطة إبان ضبط الحالة المدنية وظل بعد انتهاء الإحصاء يعمل كضابط شرطة وهو مالم يتدرب عليه يوما فتحول الى ضابط شرطة سيء المهارة لا يحسن التعامل مع القضايا الطارئة تم فيما بعد تحويله إلى مكتب مساعد الوزير على قسم الكمبيوتر ، واعتبر نفسه أخيرا ظفر بالراحة والبعد عن ذلك الجهاز الكريه بالنسبة له وهو جهاز الشرطة .
حامد رجل عملاق بكرش كبيرة جعلته يحضر دوام العمل بالدراعة ـ دائما ـ ، بعينين جاحظتين رغم قطع الشحم البارزة أسفلهما، وشعر غير منتظم أسفل الأذنين مرورا بلحية على نفس النسق في شكل غريب ونادر تذكرك بلحية المغولي ، لاتوجد فيه أي ملامح موريتانية ولا يمكن أن تتخيل عنه ذلك حتى تحدثه ، حتى وهو يرتدي الدراعة يذكرك بالسياح الذين يريدون تجريب كل شيء في البلد من الدراعة واللثام مرورا بالأسفار على ظهور الجمال عابرين الصحراء الشاسعة ..
حامد يواكب الحضور يوميا في الوقت المناسب ويقوم بأعمال اعتيادية كرعاية البرامج ورقابتها وتطويرها ـ أحيانا ـ أو كمستشار في تطوير البرامج التي تعتمد عليها وزارة الداخلية بشكل عام ، وأحيانا يتناول الشاي مع المساعد ، أو يتصفح الجرائد ويحلل ما يحدث في خياله ، لديه عمل آخر وهو إيصال رسائل "مساعد الوزير" التي  لا يمكن قول فحواها في الهاتف ، كل شيء يمشي بروتين محكم شيئا ما .

"علي" مراهق بدأ يثور على سلطة البيت ويخرق القوانين الصارمة في عدم التأخر أو المبيت مع الأصدقاء وبعد صراع طويل وحرب كلامية و تعنيفية  شرسة من الأب تمكن أخيرا من تطويعهم على قانون الدخول والخروج الغير مشروط في الوقت المريح بالنسبة له ، تعودت والدته وضع العشاء في الركن الجنوب الشرقي من المطبخ .
"كمبه" فتاة زنجية عشرينية تتمتع بجمال "البولار" الأصيل قادمة من الريف رفقة أمها السيدة المطيعة التي نزحت من قرية ريفية بعد غزو حمى الإيبولا الذي أودى بحياة الزوج وثلاثة أبناء وفقر مدقع أنتزعها من تلك الجذور التي مضى على تسلسلها مئات السنين في النجع المتواصل وتنمية المواشي ، النازحون من الريف دائما يبحثون عن الحياة في نواكشوط ، حين قدمت بتلك الفتاة الصغيرة كمبة كانت لا تعرف كيف تستمر في الحياة ومع الزمن وتراكم المغامرات اكتشفت موهبة الصباغة وصارت إحدى أهم صباغات الثياب بأنواعه في مقاطعة لكصر وتحولت موهبتها إلى دخل يكفي قوت العائلة ، لكنها في الفترة الأخيرة أصيبت بقصور في القلب ،
 فيما شقت "كمبة" طريقها واعتمدت على نفسها –كعادة "الهالوبولار" - هي الأخرى واختارت العمل كخادمة منزلية في بيت عائلة "علي" ، وهي متزوجة من شاب كادح يدعى "السالك".

السالك شاب خفيف السمرة يعمل سائقا لشاحنة كبيرة وقديمة لنقل شحنات الأدوية لـ - الشركة الموريتانية للأدوية - ، و أثناء عودته عصر الخميس تعطلت الشاحنة العملاقة ـــ على ظهر الطريق ، حاول رفقة مساعده اصلاحها دون جدوى وفي حدود السادسة وصله اتصال من كمبة ،،، قرر مباشرة أن يدع الشاحنة تحت حراسة مساعده على أمل العودة العاشرة ليلا رفقة ميكانيكي .

الغوث ولد السيد ، وزير الصحة الفاسد وهو أحد الشخصيات ذات النفوذ منقطع النظير، فهو يمسك الكثير من الخيوط في عدة مناطق حساسة من صنع القرار في الدولة و أختار ـ بنفسه ـ وزارة الصحة كي لا يتعرض للمشاكل الكبيرة كنوع من التقاعد المريح والقرب من إدارة تجارته الآمنة في الأدوية – المزورة أحيانا – فأكبر شركات استيراد الأدوية هي - في الظاهر ملك- لعامله عليها "ورجل الأعمال الخليل "  وتدعى – الشركة الموريتانية للأدوية- .
كان "الخليل" على الطرف الآخر في فندق "ميتروبول" بمدينة شانغهاي يهز رجله بفارغ الصبر يعد الرنات قبل أن يفتح أمامه الوزير الخط ، كان فحوى الاتصال حول محاولة اقناع الوزير بقبول صفقة لحمولة من المضادات الحيوية الرخيصة – المزورة- بحجة أن ربحها يصل 1500% وان تأثيراتها العكسية ـ حسب الخبيرــ محدودة الخطورة ولا تصيب في الغالب إلا مرضى قصور القلب ..... وتمت الصفقة .

صباح يوم الأربعاء كان أعمر "مساعد وزير الداخلية" يخرج كل هنيهة ليسأل عن حامد ، وحين تأكد أنه  لن يأتي اليوم بسبب وعكة صحية جعلته حبيس الفراش كان الوقت  قد وصل بعد الظهر، صادف عبد الرحيم عند خروجه النهائي من المكتب ليظهر ابتسامة من وجد حلا للغز ما ، هنا عرف عبد الرحيم أنها مهمة وفعلا كانت كذلك فقد ناوله ظرفا يحوي رسالة تسلم عاجلا الى وزير الصحة في مكتبه اليوم أو غدا صباحا .
كان "أعمر" وهو أحد رجال "الغوث" في وزارة الداخلية يملك قصرا في مدينة أنواذيبو وهو قصر بمقاييس لهو خاصة جدا ، حيث تعود "الغوث قضاء عطلة نهاية الأسبوع عنده في جو مليء بالقمار والنساء ، حيث يجتمع العشرات من نخبة النخبة من أجانب وموريتانيين في أجواء تشبه مدينة الملاهي الأمريكية "لاس فيغاس" ، لكن هذه المرة بالذات هناك تغيير طرأ حيث كلف "الرئيس" أعمر بسفر عاجل مساء الأربعاء إلى المغرب .
كانت الرسالة تحوي مكان مفتاح القصر ، وصل عبد الرحيم وزارة الصحة لكن الوزير لم يكن هناك مما دعاه للتفكير تلقائيا في الاحتمال الثاني وهو العودة باكرا وتسليم الرسالة .

على تمام السادسة والنصف من يوم الأربعاء تلقت "كمبة" اتصالا هاتفيا بينما كانت غارقة في تنظيف المطبخ تخبرها عن نقل أمها إلى الحالات المستعجلة بعد تراجع في الحالة الصحية العامة بسبب عقار مضاد حيوي مزور ــــ على مايبدو ــــ ، سقطت المكنسة من يدها وخرجت مهرولة فيما بقايا من الماء على الجانب الجنوبي الشرقي من المطبخ .

بعد منتصف الليل كان "علي" يتحسس الجانب المعتاد حيث يوضع له العشاء عادة فيما فوجئ بقطة تحاول الفرار ، ارعبه المشهد للدرجة التي فقد فيها التوازن فمر رجله على مكان زلق فسقط سقوطا حرا جعل ارتطامه بالبلاط قويا ، قفزت الوالدة مذعورة لتجد الولد مغشيا عليه والدماء تغطي مكانا معتبرا ، أطلقت صيحة الأم المفجوعة حتى التف حولها الجيران ومن بينهم "عبد الرحيم" الذي عاد مذعورا بسرعة إلى سيارته و اخذ العائلة بسرعة إلى المستشفى وبات الأرق رفيقه لليلة كاملة حتى أذن الفجر كان النوم يغزوه بدون موعد و لا رغبة منه فسقط على الكرسي .

في الساعة الواحدة زوال يوم الخميس كانت سيارة وزير الصحة ذات الدفع الرباعي على الكيلومتر 51 من نواكشوط متجهة إلى أنواذيبو رفقة تكييف وأنغام هادئة من مقطوعات كلاسيكية تصيبه بالنعاس عادة .
في الساعة الخامسة كان الغضب يتملكه ووعود العقاب تصارع فكره فقد وجد القصر مغلقا لأول مرة منذ بداية برنامج الترفيه الآمن هذا ، وفي أجواء الشحن والغضب أصدر أوامره للسائق بالعودة مباشرة الى نواكشوط.

في الساعة السادسة من مساء الخميس كانت كمبة في حالة اضطراب كامل حين فتح "السالك" الخط كانت منهارة بالبكاء والنحيب فأعز شخص في حياتها قد غادر قبل دقائق ، أكتفت فقط بكلمة "لقد ماتت !" وانقطع الخط ، توقف السالك مباشرة من محاولة اصلاح شاحنته وعلى عجل جعل قصة العطل عذرا ليصل نواكشوط بسرعة ليكون بجانب زوجته وليعرف أساسا ماذا يحدث !
التاسعة ليلا من يوم الخميس كانت سيارة الدفع الرباعي تسير بسرعة خيالية يوبخ الوزير سائقها على البطء فيما كانت أصوات الارتطام تصم الآذان ، توقف الزمن قليلا قبل أن يكتشف الوزير لحظته قد حانت ، سيارته ارتطمت بالشاحنة الواقفة على الطريق دون إشارة ضوئية في ظلام دامس كان الوزير يتحسس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قطعا من الأدوية التي تدخل في شحنات صفقته الأخيرة .

الكثير من وسائل الاعلام وضع عناوين من هذا القبيل "حادث مؤسف لوزير كبير" ، "موريتانيا تفقد ابنا بارا" ، "وزير الصحة إلى مثواه الأخير" .
شخصيا أختم هذا التحقيق بهذا العنوان " قطرة ماء على اسفلت مطبخ تقتل وزير الصحة" ، "دواء مزور يكون سببا في موت بائعه"

تحرير : "خ.س" ، من صحيفة "ت.ف"

الأحد، 21 أكتوبر 2012

تجسيد الرواية الرسمية


يبدو أن صيحات الاستغراب التي قابل بها النشطاء الموريتانيون الرواية الرسمية والأدلة التي جعلتها تتهاوى ، على الأقل في أوساط النشطاء والقريبين من الأوساط الإعلامية ، أرغمها ذلك أخيرا على استدعاء شخصيات عسكرية تعيد صياغة الرواية امتثالا للمثل الشعبي "الكلام من فم مولاه أحلا" .
نعم هو مخرج جيد للإعلام الرسمي ويجعل وطأة الحرج مشتتة شيئا ما عنه ، يريد أن يقول "أتيناكم بقصة فلم تصدقوها فأسمعوها من أهلها – المفترضين -" ، لكنه ليس جيدا للرواية الرسمية ، وهذا يوحي ـ شيئاما ـ إلى أمرين :
أولهما أن نسبة تصديق الرواية الرسمية كانت ضعيفة حسب إحصائيات – المخابرات- التي سيكون لها الفصل فيما اذا كان ماقد قيل يكفي! ،
وثانيهما أن الجهات الرسمية تضررت - أخيرا - بجو الشائعات التي كانت هي نفسَها سببا فيه ، حين أخفت ولا زالت تخفي الحقيقة .
 لكن ما قامت به اليوم من إشراك أطراف أخرى بشكل مباشر في القصة سيخلف مردودا عكسيا لأنه وحتى بعد أيام - لاشك كانت أيام تدريب وتلقين لما يجب أن يقوله الملازم - تجسدت القصة بطريقة بائسة كثيرة التناقضات غير منطقية بالمرة كمن يحاول بعث أبطال رواية رديئة في عمل مسرحي بدائي .

عودة إلى الملازم :
في إصداره من القصة يؤكد أنه كان في هيئة مدنية على بعد مسافة من الثكنة العسكرية وسيارته كذلك هي سيارة مدنية رغم ذلك قاموا بعمل قتالي كأنهم عصابة مافيا ـ مثلا ـ ، رغم أن العقيد حاول تدارك تلك الحقيقة وعلق عليها كخطأٍ قاتل لمبادئ الانضباط في الجيش ، لكن رغم ذلك لم تتخذ ضد الملازم أية إجراءات عقوبة !
ذكر الملازم أن هناك سيارتين على الأقل وأنه أطلق النار على الأمامية مصوبا على العجلات فيما كانت السيارة الثانية خلفه ، والمفروض أنها تابعة للحرس الرئاسي أو لجهات أمنية ترافق الجنرال ، ورغم ذلك لم تقم بعمل دفاعي بل لاذت بالفرار هي الأخرى رغم أنه لوحده المسلح ورفيقه ينظر فقط J .
رغم حماقات الملازم ـ في القصة ـ وقيامه بأعمال قتالية بهيئة مدنية واستهدافه موكب الجنرال ، رغم كل ذلك صدر القرار نفس الليلة وبسرعة قبل أن يحصل أي تحقيق في القضية ، أنه كان يقوم بعمله وأن الجنرال قد غفر له ما تقدم ،،، ألا ترون معي أن هذا أمر مريب ؟ !
أظن هذه القصة عدى عن كونها الإصدار الذي حاربت به وسائل الاعلام الرسمية الشائعات - ذات البعد الأخلاقي - التي حيكت عن الجنرال تلك الليلة فهي أيضا للتكفير عن الخطأِ الكبير في الرواية الماضية على لسان وزير الاعلام والجنرال نفسه أن الذين استهدفوه كانوا يقومون بعملهم – أي أنهم في حالة دوام رسمي – وهو الذي فتح الأسئلة حينها ،، لماذا لم يمتثل الجنرال للأوامر ؟ ! ، نعم جاءت هذه القصة ـ أيضا ـ لتنفي كونه لم يمتثل للأوامر .

تذكرني الرواية الرسمية السابقة وتجسيدها على شكل شخصيات الليلة بإحدى حلقات المسلسل السعودي الكوميدي "طاش ماطاش" ، إحدى الحلقات التي تتحدث عن شيخ جديد في قبيلة بدوية لكنه لا يملك أيا من مقومات القيادة ( ضعيف ، غبي ، وجبان) ، في إحدى الأيام كان مساعده يريد أن يكذب بشأنه ليلمعه ، فقال أنه وجده يصارع أسدا هنا تناول "الشيخ داعس المبادرة" وبدأ في وصف القصة وكيف كان يرمي الأسد لأعلى بشكل خارق ، حتى أضطر مساعده لإسكاته لأنه أفسد القصة ، هذا ما قامت به التلفزة اليوم لقد قصت قصة مبهمة وصدقها البعض  لكنها قضت عليها الليلة بتجسيدها ـ على المسرح ـ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعذروني على الأخطاء كتبت النص بسرعة . 

الأحد، 14 أكتوبر 2012

ليلة مشبعة بالثرثرة












كنت مع مجموعة أصدقاء بينما كان خبر ليس باللطيف ـ حقيقة ـ يتنزل بعدة روايات مظهرا الجانب الأكثر افتراسا للشائعات على أنفسنا ، ...
لطمتني الشائعة الأولى على هذه الطريقة : "... نعم أصيب الجنرال بطلق ناري على رأسه في تمرد داخل الحرس الرئاسي أثناء ممارسته المسائية لرياضة الجري " .
كانت الشائعة الثانية : " أصيب الجنرال في رقبته أثناء عودته من مزرعته الشخصية ـ المثيرة للجدل وذائعة الصيت ـ ، و المهاجمون مجهولون "
وكانت الثالثة عن اصابة الرجل في الرجل اصابة طفيفة وأنه سيخرج على وسائل الاعلام ليطمئن الشعب على حالته .
ثم كانت شائعة الحكومة التي أطلقت بشكل رسمي ويبدو أنهم لازالوا يصرون عليها بعد ان ظهر الجنرال اليوم وهو يؤكدها ويؤكد معها "تهنئته للعملية الناجحة" ، كانت هي أبعد الشائعات عن المنطق لأنها أكدت أنه أصيب اثر اقتراب غير مبرر من ثكنة عسكرية ليست على الطريق العام فأطلق جنودها النار بعد عدم امتثال هذه السيارات للتحذير ، ويفتح هذا السيناريو عدة أسئلة ترغمنا على التوقف عندها :
ـ هل سوء التنسيق يصل لدرجة أن يذهب الرئيس الى مناطق فيها تواجد عسكري ـ وهو الخبير بطبيعة الجيش ـ دون تنسيق مسبق مع قيادة تلك الثكنة ؟ !
ـــ هل التحذير بتصويب الرصاصة مباشرة الى السيارة المحذرة وإطلاق وابل من الرصاص ؟ ،
ـــ أم أنه تم تحذيره ولم يمتثل ؟
عدا عن كونها قصة غير منطقية وسخيفة تحوي الكثير من الاستخفاف بعقول المواطنين فهي أيضا جلبت الكثير من السخرية على صفحات التواصل الاجتماعي من النشطاء عليها في كل العالم  وكان دور بعض الشباب الموريتاني البارحة الدخول في حرب باردة على "اتويتر" خصوصا لتخفيف الوطأة على الرواية الرسمية رغم أني انتهزتها كفرصة نادرة للضحك في ليلة ليست ـ لطيفة ـ

مهما كانت "الحقيقة" فهي تكشف الكثير من العورات والنواقص ، فلو كانت القصة الرسمية هي "الحقيقة" فإن لدينا نظاما رغم كونه من بطن المؤسسة العسكرية عالية التنظيم إلا أنه غائب التنسيق يعكس الغباء الشديد الذي يتميز به حكم هؤلاء ، ولو كانت محاولة اغتيال ـ وهي الأرجح ـ فهي تعكس بادرة خطيرة جدا كأول محاولة اغتيال لرأس السلطة في تاريخ موريتانيا .

بعد دخوله المستشفى وإبان ساعات الاصابة كانت إحدى الحقائق الأبرز هي أنه لا توجد أي مؤسسات في الدولة خارج نطاق التسيير الشخصي للجنرال في كل تفاصيلها ، حتى المؤسسات الاعلامية الرسمية التي فضلت بث القصائد المديحية والفقرات الغنائية لأن إدارتها لا تملك حرية تقييم الموقف والبث على أساسه . 

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

منابع الشر





حين كان "المشظوفي" يلفظ أنفاسه الأخيرة كان يدافع عن حقوق بعض المطحونين والمضطهدين من عمال شركة MCM  التي تحولت على مر السنين إلى دولة داخل دولة تتعلم منها أساليب المافيا والسلب والنهب واللامبالاة والظلم والقهر ، لم يكن "المشظوفي" رحمه الله واقفا من أجل حقه أو لحل مشكل شخصي او في قضية تعنيه ـ ولا عيب في ذلك بل هو المطلوب دائما ـ بل كان يقف مع حقوق العمال الآخرين فهو عامل رسمي يتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها أي عامل رسمي وقد ناضل بقية العمال من أجل ما يتمتع  به هو شخصيا ، ورغم ذلك سقط شهيدا لقضايا الآخرين التي لا نعرف ما يكفي لنعرف أي ظلم يسلط عليهم وفي أي جحيم يعيشون على أرضهم وفي وطنهم .
حين نتحدث عن شركات المناجم الأجنبية في موريتانيا فإننا نتحدث عن شتى أنواع العمل الإجرامي المنظم الذي يحاكي أنشطة المافيا ويزيد عليها أحيانا في الخبث والإجرام ، الفرق البسيط أن المافيا ملاحقة وشرائك التعدين دول داخل دول .
في شركة MCM يتم ممارسة عدة أنواع من الجرائم التي لم تكن كندا وهي البلد الأصلي لصاحب الشركة First Quantum  بأن يقوم بتجاوز بسيط ودقيق منها :
ـ تمارس هذه الشركة ما يمكننا أن نسميه "العبودية العصرية" فمقاولة البشر وهي التعامل مع مقاول يملك أمر بعض العمال يؤجرهم للشركات وأصحاب العمل ، وتتفاوت الظروف في قبول هذا الظرف المزري المقيد للحرية وتفهمه ، فحين يكون العمل للشركات المعنية لا يحوي نسبة خطورة تذكر فربما كان من المقبول أو من المتفهم شيئا ما وجود مقاولين لبعض العمال رغم ما في ذلك من استغلال بغيض لهم لكن الحالة الأخرى هي قمة التجاوز على كرامة البشر واستغلالهم ، فشركات التعدين الموريتانية وخصوصا MCM تستخدم المواد السامة الخطيرة كالسيانير وحمض الهيدروكلوريك وكوستيك الصودا في حين لا يتمتع أي عامل مقاولة بأي حق أو ضمان صحي .
ـ تمارس MCM القتل الجماعي للبيئة والبشر في استخدمها لمواد كيميائية مشعة وخطيرة و باحتياطات حفظ ضعيفة ، فنهرها الاصطناعي للنفايات يجد مسامات بسهولة إلى التربة مما ينشر تلك المواد الخطيرة وهو ما أدى إلى وفيات وإجهاض حوامل ونفوق عشرات إلى مئات الدواب بالإضافات لإصابة عدة عمال إصابات خطيرة وصلت أحيانا إلى الوفاة .
الاخلال بالاتفاقيات الموقعة : حسب ما وصلني أن الاتفاقية الموقعة بين النظام الموريتاني وبين الشركة الأم لـ MCM تحوي بندا بتشغيل ما يزيد على 400 عامل بشكل رسمي بعد سنتين فيما لم يصل حدود العمال الرسميين حتى  الآن في الشركة بعد أكثر من 7 سنوات على عملها على أرض الوطن وصل 335 عاملا فقط فيما يعمل في الشركة ما يزيد على 1200 عامل لا يتمتعون بأي حق ولا رعاية صحية وفي ظروف سيئة جدا .
لو أخذنا الأرقام الرسمية لهذه الشرائك وإنتاجها السنوي المهول بل الكارثي ونظرنا واقعنا المعيشي فسنجد أن كل تلك الأرقام لم تنعكس بأي تقدم تنموي ولا معيشي ملحوظ بل وجدنا منها الظلم والقتل وتلويث البيئة فقط . 

السبت، 29 سبتمبر 2012

سقوط الملك ! ـ قصة قصيرة ـ




لم يبقى حوله إلا الفارس شاهرا سيفه متقمصا شكل الواثق الذي تدرب جيدا عليه في جو مفعم بلغة العيون و الإيحاءات و إن كان الفارس قد تدرب جيدا على تقمص الشخصيات الواثقة المتفائلة في أسوء الظروف فهو أيضا تعود مع مرور الزمن على لغة الإيحاءات ، لقد قرأ في عيون الملك الآتي:
" لم يبق من قواتنا إلا كتيبة الفرسان اليمنى وليس لديها إلا خطا مناورة فيما الخناق يزداد حدة عليه ، قوات الوزير تقترب من اليمين والفيلة التي ترصد الرقع السوداء تراقب الرقعة اليسرى القريبة ، فيما يحرس الفارس الرقعة البيضاء الواقعة يساري .
في السابق كان صف الجنود الأول يلقي ترنيمة العزة المعتادة التي تحوي تمجيدي ومنعتي ، كم كان منظرا رائعا ومشبعا بالسلطة والقوة والسمو ، لا أشبع منه أبدا !
كان لدي كتيبتا فيلة مهيبتين رائعتين موزعتين بتخصص يشعرني بذكائي المميز إلى رقعتين سوداء و بيضاء تحرسان أربعة كتائب من الجنود التي تحرس عظمتي ........ "
هكذا كانت عيون الملك الممتلئة بالحسرة والرعب .
لم يكن الفارس يملك الوقت الكافي لقراءة عيون الملك حتى النهاية فأمامه أربع مناورات حتمية تفضي إلى نتيجتين حتميتين : إما أن يموت أو يموت الملك قبله ، وحين تكون الخيارات حتمية فإن أصعبها وأكثرها إيلاما هو البقاء قيد الحياة كما هو واجبه ، وهو أن يناور غير بعيد في نقاط محدودة إلى آخر لحظة .
  تنهد في مقاومة شرسة لليأس " ما أصعب هذا !"
هكذا الملك في اللحظات الأخيرة ، تذكر بالأمس القريب آخر تقرير ينبئ بضرورة تقليل قوات الحراسة الشخصية التي تعطل كتيبة الفيلة وكتيبتي الفرسان وثلاث كتائب من الجنود ، رغم أن الجميع أقنعه بضرورة المناورة بهم او حراسة الاماكن اللوجستية الهامة للملكة لكنه كان يرد مزمجرا في غضب :
" لن أفعل فأعدائي كثر والناس يكرهونني لأنهم أغبياء وحاسدون حقيرون ، لم يكرهوا أبي لأنه كان غبيا مثلهم ، كان يجالس الحداد والجندي ويحط من منزلته ولم يهتم بأمر الحراسة حتى زاره سهم من هؤلاء الهمج ...... او احد الغزاة ، أما انا فلن أتخلى عن حرسي الشخصي لأن الغزاة يقومون بهذه الغارات كل عام ليستحوذوا على مزارع سخيفة ويعودون تحت خوفا من الصقيع الذي يحولهم إلى جيف كالدجاج المريض  ، انا لا أخاف علي من الغزاة ، أنا لا اخاف من غدر هؤلاء الرعاع الهمج لأن بعضهم لم يعرف مكانته الحقيقية أو مكانتي بالنسبة له "
لكنها لم تكن لأجل المزارع هذا العام ، وحتى الغزاة لم يكونوا نفس الغزاة كل عام لقد ضربوا حرسه الشخصي في لحظة سكر فيما كانت كتيبة يقودها الوزير تعمل المستحيل لاختراق صفوف الغزاة غير آبهة بتنظيم الجبهات الداخلية لأن سلطة الوزير هناك تشبه سلطة المهرج ، لقد قرر أخيرا أن لا يقوده أحد غبي وأن يستمر في المناورة حتى يجد ثغرة في الرقعة الواسعة فيختار بلدا آخر يقدر عظمته ، تلقى الكثير من رسائل الاستعطاف والتهديد من الملك لكنه كان قد قرر سلفا أن لا عودة وانتهى الامر بالنسبة له ، هناك يتقلب الملك المدلل على الجمر غضبا أن وزيره عصى أمره للمرة الأولى التي يفعلها احد في مملكته ، فقرر الانتقام الشرس ، ودس شخصا في كتيبة فرسان الغزاة الثانية كدليل إلى حيث يوجد الوزير ، ولم يبقى للوزير المسكين إلا لحظات يقظة على فزع يندب فيها السنين التي كان فيها وفيا لملك سيء وفاسد .
كانت تقارير أخرى توقظ الملك من خمرته وسهراته الحمراء فيرمي عبوات الخمر على النذير ويأمر بقتله فلا أحد يفسد حفلة الملك كي يخبره بمقتل جميع أفراد جنود المشاة والحرس الشخصي من الفيلة وسقوط القلاع ، كان يصيح بهستيرية وخوف "هناك الفرسان والشتاء" لكن الوقت كان قد نفد ، افاق من سكره للمرة الأخيرة على رماح قلاع العدو التي تصل مد البصر وعلى فيلة العدو التي تحرس الرقعة السوداء الى اليسار وفرسان العدو تكمن في الرقعة البيضاء الى اليسار فيما تم احتلال الرقع الأخرى من قبل الوزير .
في حياة بعض الملوك ينقسم الزمن إلى مرحلتين متعادلتين تعكسان نفس العمق ، الأولى : عمر من السطوة الغير محدودة والعنجهية والقوة التي تشعره بخلودها وعالمه اللانهائي في عقله ،و الثانية : لحظة السقوط حين يتلاشى كل شيء وتختفي كل الفرص إلى الأبد.

الأحد، 26 أغسطس 2012

أطفال يتسولون مقابل تحفيظ القرءان


.... قابلت الكثيرين منهم ، ممن يتجولون بداية من ساعات العصر وحتى ساعات متأخرة من الليل يحملون عبوات طماطم فارغة يجمعون فيها مايحصلون عليه من التسول في الشارع ، هم مجموعات أطفال أعمارهم بين 4 و 12 سنة يرسلهم معلمهم الذي يدرسهم القرءان للتسول و ايصال ما جمعوه له بعد نهاية الجولة ، "الحسن ، عالي ، آمادو ........ " وغيرهم من الأسماء قابلتهم و استفسرت  عن بعض تفاصيل حياتهم في ظل الظروف التي يعيشونها .

تبدأ الرحلة من الأهل الذين يرسلون أبناءً قد تصل أعمارهم 4 سنوات إلى معلمين غالبا ما يكونون في مدينة أخرى ، وبسبب الحالة الاقتصادية المزرية للأهل فلا مانع لديهم أن يستغل أبناءهم في التسول لرد أجرة المعلم .
عادة يوفر المعلم المأوى لهؤلاء الأطفال لكنه لا يتحمل نفقات علاجهم أو حتى غذائهم ، هذا ما أخبرني به "عالي" ذو العشرة أعوام ،

 قال أن الأغذية التي يتناولونها هي ــــ فقط ــــ ما يتصدق به عليهم بعض ملاك المطاعم ، وحين سألته عن أقل مبلغ مفروض عليه احضاره أجاب أن "المعلم يفرض على كل واحد منهم جمع 200 أوقية يوميا" أي ما يوازي 0.6 دولار تقريبا ، فيما قال حسن ــ وهو طفل في الثامنة من عمره ـــ  أن معلمه يفرض عليهم جمع 500 أوقية يوميا لكل واحد وهو ما يوازي 1.5 دولار تقريبا ، مما قد يفرض على بعضهم الاستمرار في التسول لساعات متأخرة من الليل .
لا تتوقف مشاكل هؤلاء الأطفال على استغلالهم في التسول في جميع أوقاتهم ،باستثناء أوقات النوم أو الدراسة ، لاتتوقف أيضا عند انعدام توفير الرعاية الصحية والغذاء لهم  بل قد تصل أحيانا لفقدان المأوى كشأن البعض منهم واللذين مررت بهم في ساعات متأخرة من الليل وهم نيام على قارعة الطريق.


يجدر بالذكر أن عادة استغلال الأطفال في التسول من قبل معلمي القرءان هي عادة دأب عليها بعض الشعوب الإفريقية كالسينغال ومالي والنيجر ودخلت موريتانيا منذ فترة ليست بالقصيرة ،  لكنها ليست المشهد الوحيد لاستغلال الأطفال ، فعمالة الأطفال منتشرة خصوصا في ورشات إصلاح السيارات فلا تصب بالصدمة حين ترى طفلا دون سن السادسة ملوثا بالزيوت السوداء التي تلوث ملابس المكانيكيين ــــــــ عادة ــــــ ، لا تصب بالصدمة من ذالك المشهد فهو مشهد عادي جدا . 

الجمعة، 17 أغسطس 2012

فيلم الرعب الموريتاني




أجواء رعب غير عادية تلك التي أعيشها هذه الأيام بعد قصص القتل المتوالية ، ليست جرائم القتل العادية ما أعني ولكن بداية ظاهرة خطيرة تغشى المجتمع وهو فقدان الغريزة الأبوية فجأة وقتل الأبناء .
لقد شاهدت عدة افلام رعب في حياتي رغم أنها غالبا ما تكون طريفة بالنسبة لي فنحن كما قال أحد الكتاب "نعيش الرعب في واقعنا المعاش " وبالتالي لن نتأثر كثيرا بأفلام أو قصص نعرف كواليسها فليست سوى مصدر دخل مدر لكاتبها أو للمثلين الذين مثلوا فيها ، لكن رغما عني لم أكن أحب بل كانت ترعبني كثيرا تلك الأفلام التي تتعلق بقتل الأبناء ، للذين شاهدوا فيلم “the ring “ لم أبدء في التأثر السلبي ــ فعلا ـــ بالفيلم وجعله يتجاوز حدود الكواليس والفيلم إلا بعد التطرق للسيدة التي رمت ابنتها في البئر والتي كانت سبب اللعنة التي طاردت الآخرين لسنوات حين دخلت روح البنت في فيلم كل من يشاهده يموت بعد أسبوع ، كل الأجواء والديكورات المظلمة وأجواء الرعب المعدة من قبل متخصصين فيه لم يؤثر بي أكثر من تلك اللقطة .
حين شاهدت فيلم "Shutter Island" أصبت بحالة كآبة لازمتني لفترة رغم روعة القصة وتماسكها وإتقان الإخراج .. كل ذالك لم يمنعني من الاحساس الداخلي الكريه عن أسوء ما يمكن أن يكون عليه البشر ، قتل الأولاد .

منذ حوالي السنتين أو الثلاث وموريتانيا تعيش أجواء من الانتكاسات الأخلاقية الفظيعة ، حقيقة أن النكسة الأخلاقية الموريتانية ليست حديثة عهد لكن كل تلك المساوئ خرجت للعلن في الآونة الأخيرة كأنها قنبلة موقوتة أنفجرت ، منذ عامين تقريبا بدأت ظاهرة الانتحارات تأخذ منحى آخر ففي شهر فبراير 2012 لوحده حصلت 4 حالات انتحار ــــ على الأقل ـــ ،، وفي اليومين الأخيرين ظهرت الجريمة في أفظع صورها وهو قتل الأبناء ، حيث طارت الأخبار بمذبحة من قرية الرواحل في الشرق الموريتاني من قبل امرأة قتلت طفلين لم يفطما بعد أحدهما ابنها والبارحة طارت أخبار أخرى أفظع أن رجلا قتل أبناءه الأربعة في أنواكشوط .
ولأن الخبر وحده يكفي من الصدمة فكيف بمحاولة تحليله فلا أجد ما أشبه به ما أشعر به الآن و أنا أجول بالتفكير محاولا فهم ما يحدث والأسباب التي دعت اليه إلا كشخص يجلد نفسه بسياط مدعمة بمسامير حادة .

على المستوى الأخلاقي :
نحن شعب أنسلخ من أخلاق الاسلام وأخلاق الصحراء وأخلاق العرب ، لقد صرنا ماديين الى أبعد الحدود رغم نسبة الفقر العالية التي قد تكون الأعلى في العالم ، لقد طبعتنا في العشريات الأخيرة من عمر الدولة انتشارا ثوريا في التزلف والنفاق و تصنيف الأشخاص على أساس ما يملكون وليس ما يمثلون من قيمة أخلاقية أو علمية ، لقد أصبح النفاق والتزلف والكذب والمحسوبية والزبونية هي المفاتيح الحقيقية للبقاء على قيد الحياة و اقتناء لقمة العيش ، في هذه "الغابة" من لا يملك احدى المفاتيح أو يملكها ولا يجدي استعمالها من قبله نفعا هو في حكم الميت المطحون في غياهب الفقر والجهل والأمراض ، لا حل آخر له إلا الانتحار .

على المستوى الشخصي :
كأني بالأم تستشرف للمستقبل الذي سيعيشه ابنها فلا ترى إلا افقا أسود ، لا يمكن للأم أن تؤذي ابنها ، لا يمكن أن تفعل به إلا ما تظنه خيرا له ، فكيف تقتله إلا اذا أوصلها تفكيرها أن الموت فيه راحة له و انقاذه من مستقبل مجهول ؟
كان الأب واضحا حسب بعض الشهادات ، ان الكاهل المثقل قد ينسي الانسان احدى أكثر الغرائز شيوعا وكثرة في هذا الكون وهي غريزة الأبوة التي توجد عند اليرقات ، لقد قالت بعض الشهادات أنه قال أنه "أراح زوجته من تكاليف ملابس العيد " !!!!! .


على المستوى الاجتماعي :
حقيقة أن من لم يجد ما يأكله أو يشتري به حبة اسبرين لتخفيف ألم الصداع لا يمكن أن نفكر له في متابعة نفسية فذالك ترف بعيد المنال ، لكن وبشكل عام في المجتمع هناك تفكير سائد حول الأمراض النفسية ، ففي ثقافة المجتمع المعادية للطب النفسي لا توجد عقد نفسية بسيطة تحتاج العلاج والاستماع ، كل من يزور طبيبا نفسيا هو ـ مجنون ـ ولا توجد حالات الوسط في ذالك حسب اعتبارات المجتمع ، لذالك لا يتعب أحد نفسه في أن يكون طبيبا نفسيا ، أو خبيرا ذا علاقة بالموضوع النفسي، يجب علينا أن نعيد النظر في هذه المسألة على الأقل كي يشفى بعض أغنياءنا من عقدهم العملاقة التي تفتك بالمجتمع من أعلى ، وتصور معي أكثر المجتمعات عقدا نفسية واجتماعية وأقلها أطباء وخبراء نفسيين واجتماعيين في أجواء سوء الأخلاق السائدة وغياب الدولة الحامية للفرد ،  وكم من الجرائم ينتظرنا في المستقبل ؟! .

وكم فيلم رعب سنشهده واقعا في حياتنا ؟ !! .