الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

حين أتى العسكر






حين أتى العسكر وفي أول يوم لهم أتوا بخطاب سيكررونه عشرات المرات في مسلسل لعبة الكراسي المللة تلك، لقد أدعوا حينها ـــ وكل مرة ــ أنهم أتوا لإرساء مبادئ الديمقراطية ووضع أسس العدالة وإنقاذ الوطن من ويلات الظلم وسوء التسيير ، لم يأتوا وحدهم على دباباتهم ولم ينزعوا الأقنعة ولم يقولوا : "هذا انقلاب عسكري جاء ليستمر الى الأبد في عصور من الظلام والجهل والتركيع والإذلال" .
 لم يقولوا – صراحة-  انهم أتوا لترسيخ التخلف ونشر المحسوبية والقبلية والجهوية والظلم في حياة كل موريتاني .
 أتى العسكر والموريتانيون مليون واحد واليوم 3 ملايين ، مما يعني  مليونا موريتاني تمت إعادة برمجتهم على أخلاق العسكر بعيدا عن أخلاق الصحراء ــ على الأقل ـــ .


لم يظهر العسكر أيا من نواياهم في التحول الجذري الذي سيحدثونه في موريتانيا  إلى الأسوء في جميع مجالات الحياة، ولم يدعوا يوما أنهم سيحكمون موريتانيا لوحدهم بدون مشاركة من أحد ، كل مرة كانوا يُغرُونَ الجميع بخطاب سياسي يسيل له لعاب الشعب المسكين ، لذلك أحضروا مجموعة مدنيين للظهور العلني بالمظهر نصف اللين ، ومنذ ذلك اليوم نحن نصدقهم كل مرة في خطابهم الجديد ونلاحظ كل مرة أوجه المدنيين الجديدة المقدمة لنا .... وبعد ثلاثين عاما لازال العسكر يقومون بنفس الشيء ، يقدمون مدنيين على الواجهة او في زحمة صفوف المصفقين ، ويجددون خطابا وعنوانا لجلد الحرباء الذي سيرتدون.
                                           حفلة يحتفل فيها بعض المدنيين ـ الأدباء ـ بإنقلاب ولد عبد العزيز 

يخبرني بعض الكهول أن "بداية" فترة هيدالة كانت فترة ــ رائعة من تطبيق الشريعة ــ  ، ويخبرني آخرون أن بداية معاوية كانت أشبه بـ "الخلاص" من جحيم ولد هيدالة ، ولقد فرحت كثيرا بخروجنا من جحيم ولد الطائع ، واليوم نعيش جحيم "عزيز".

بعد كل انقلاب عسكري وصعود وجه عسكري جديد نبدأ من الصفر لأن البلد لم يكن قائما على مؤسسات ، كان قائما على شخص واحد يتحكم في كل تفاصيل الحكم وينتهج السياسة التي يراها مناسبة لاستمراره على سدة الحكم وليس لاستمرار الدولة ، منطقه في ذلك شبيه بمنطق الحمار في الموروث الشعبي "منين يشرب الحمار يسوى السيوه تنكب" ـ حين يشرب الحمار يفرغ بقية الماء أرضا ، شاهدنا ذلك مع سقوط هيدالة حين انتهى كل شيء ذا طبيعة مشتركة مع هيدالة وأتت بزات عسكرية "جديدة" في الواجهة واسم جديد ، وحين تم الاسقاط بولد الطائع تم اعادة صياغة كل شيء سواء الدستور أو البرلمان لأنه لم يكن يومها موجود فعلا إلا معاوية لا يوجد غيره ، واليوم حين أختفى عزيز قضى قبل "الرصاصة الصديقة" على كل مؤسسات الدولة تمهيدا لأن يكون "شخصه" هو المؤسسة الوحيدة ، والله العالم غدا من سيكون جلد الحرباء الجديدة وبأي خطاب ــ رنان ـــ سيترنم ؟ ! .
                                          نص الميثاق العسكري للجنرال عزيز ، ـ وهل للعسكر مواثيق ـ 

يقول البعض أن المؤسسة العسكرية هي الأروع تنظيميا والأجمل والأكمل بين جميع مؤسسات الوطن ، وهذه على ما يبدو هي الدعاية التي يغتر بها الكثير من مدنيينا ــ مشرعي الانقلابات العسكرية ـــ ، شخصيا لدي اعتقاد راسخ أن أسوء المؤسسات الموريتانية ــ إن وجدت ـــ هي المؤسسة العسكرية ، التي أقحمت نفسها فيما لا يعنيها ، وأفسدت أخلاق المجتمع وأحدثت تغيرات هائلة إلى الحضيض على جميع المستويات وأفرزت أشخاصا غاية في السوء أمثال ولد هيدالة ومعاوية وعزيز ، لم تفرزهم فقط بل قدمتهم للواجهة ليظلموا موريتانيا ـــ هيدالة ـــ أو ليفسدوا موريتانيا ـــ معاوية ــــ أو ليأكلوا ما تبقى من موريتانيا ـــــ عزيز ـــــ ، ويبدو أن الأخير لم يحالفه الحظ في اكمال أكلته ونهشه في الوطن فلا شك اذا أنه ترك بقية من الوجبة لعسكري آخر أو لعسكر آخرين، فمن سيكمل الباقي ، ومن هم المدنيون الذي سيُخدَعُونَ أو يتآمرون هذه المرة ؟.

                                         فيديو للظهور الأول لمعاوية وأنقلابييه ، بعد اسقاط الانقلابي هيدالة
                                         لاحظ الخطاب وقارنه بماذا فعل معاوية وقارنه بالبيانات الأولى لأي انقلاب 

السبت، 27 أكتوبر 2012

أثر الفراشة - قصة قصيرة -






قبل البداية :
" تأثير الفراشة هو استعارة مجازية لتوضيح الحساسية الشديدة لمحددات البداية لحدث ما ، وتوضح هذه الاستعارة كيف ان حدثا صغيرا جدا يمكن أن تكون له آثار واسعة جدا ."

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 







الموظف في وزارة الداخلية "عبد الرحيم " مصاب بمرض عصبي غامض ليس بالخطير رغم ذلك لم يجدوا له أي مثيل في الارشيف وجميع الكتب الطبية لم يجدوا له أي تصنيف في المستشفى الجامعي بسوسة "فرحات حشاد"
الأستاذ في علم الأعصاب "البروفيسور السرياطي" أطلق على الحالة ، "متلازمة عبد الرحيم" .
عبد الرحيم هو شخص نحيف أسمر ذو ملامح موريتانية قوية وحضور فكاهي تقليدي ، يجمع مجامع الكلم في حسانية الأجداد ذات الطابع نصف الغامض والأسلوب الرصين المنتظم على نسق السيمفونيات الكلاسيكية ، وهو خريج معهد مهني في تخصص النجارة دخل الوزارة مع دخول قريب له على قمتها، إنها الطرق المعهودة للإكتتاب في أي وزارة كما يعلم الجميع ، ليس شخصا سيئا بالمرة بل هو جاد وحاد الذكاء ذا خبرة فطرية في الديكور وتنظيم الأشياء ، ساعده ذكاءه وتطوره وأخلاقه الاجتماعية المثالية مع الجميع في التسلق سريعا إلى عامل مقرب في مكتب مساعد الوزير للشئون الأمنية "أعمر ولد أبوه"  .

المرض الغامض والعمل فرضا عليه ظروفا خاصة من العقاقير المنومة لتفادي الأرق ، فكلما تجاوز عبد الرحيم منتصف الليل أصيب بنوبات اغماء مما يكلفه رقابة طبية ليومين على الأقل يترك فيهما العمل ، الجميع يعرف طبيعته ولذلك فهو يقوم بالأعمال المكتبية ذات الطبيعة الثابتة كالأرشفة، وفي المكتب مجموعة من العمال بعضهم ذا حس ومظهر أمني وبعضهم دخل لأسباب أخرى كحامد .

حامد ، الضابط السابق ، لم يتقاعد فلا زال دون سن الأربعين لكن تحولا طارئا حصل في حياته المهنية نقله إلى سلك الشرطة فهو مهندس معلوماتية متميز اكتُتِب كضابط في الشرطة إبان ضبط الحالة المدنية وظل بعد انتهاء الإحصاء يعمل كضابط شرطة وهو مالم يتدرب عليه يوما فتحول الى ضابط شرطة سيء المهارة لا يحسن التعامل مع القضايا الطارئة تم فيما بعد تحويله إلى مكتب مساعد الوزير على قسم الكمبيوتر ، واعتبر نفسه أخيرا ظفر بالراحة والبعد عن ذلك الجهاز الكريه بالنسبة له وهو جهاز الشرطة .
حامد رجل عملاق بكرش كبيرة جعلته يحضر دوام العمل بالدراعة ـ دائما ـ ، بعينين جاحظتين رغم قطع الشحم البارزة أسفلهما، وشعر غير منتظم أسفل الأذنين مرورا بلحية على نفس النسق في شكل غريب ونادر تذكرك بلحية المغولي ، لاتوجد فيه أي ملامح موريتانية ولا يمكن أن تتخيل عنه ذلك حتى تحدثه ، حتى وهو يرتدي الدراعة يذكرك بالسياح الذين يريدون تجريب كل شيء في البلد من الدراعة واللثام مرورا بالأسفار على ظهور الجمال عابرين الصحراء الشاسعة ..
حامد يواكب الحضور يوميا في الوقت المناسب ويقوم بأعمال اعتيادية كرعاية البرامج ورقابتها وتطويرها ـ أحيانا ـ أو كمستشار في تطوير البرامج التي تعتمد عليها وزارة الداخلية بشكل عام ، وأحيانا يتناول الشاي مع المساعد ، أو يتصفح الجرائد ويحلل ما يحدث في خياله ، لديه عمل آخر وهو إيصال رسائل "مساعد الوزير" التي  لا يمكن قول فحواها في الهاتف ، كل شيء يمشي بروتين محكم شيئا ما .

"علي" مراهق بدأ يثور على سلطة البيت ويخرق القوانين الصارمة في عدم التأخر أو المبيت مع الأصدقاء وبعد صراع طويل وحرب كلامية و تعنيفية  شرسة من الأب تمكن أخيرا من تطويعهم على قانون الدخول والخروج الغير مشروط في الوقت المريح بالنسبة له ، تعودت والدته وضع العشاء في الركن الجنوب الشرقي من المطبخ .
"كمبه" فتاة زنجية عشرينية تتمتع بجمال "البولار" الأصيل قادمة من الريف رفقة أمها السيدة المطيعة التي نزحت من قرية ريفية بعد غزو حمى الإيبولا الذي أودى بحياة الزوج وثلاثة أبناء وفقر مدقع أنتزعها من تلك الجذور التي مضى على تسلسلها مئات السنين في النجع المتواصل وتنمية المواشي ، النازحون من الريف دائما يبحثون عن الحياة في نواكشوط ، حين قدمت بتلك الفتاة الصغيرة كمبة كانت لا تعرف كيف تستمر في الحياة ومع الزمن وتراكم المغامرات اكتشفت موهبة الصباغة وصارت إحدى أهم صباغات الثياب بأنواعه في مقاطعة لكصر وتحولت موهبتها إلى دخل يكفي قوت العائلة ، لكنها في الفترة الأخيرة أصيبت بقصور في القلب ،
 فيما شقت "كمبة" طريقها واعتمدت على نفسها –كعادة "الهالوبولار" - هي الأخرى واختارت العمل كخادمة منزلية في بيت عائلة "علي" ، وهي متزوجة من شاب كادح يدعى "السالك".

السالك شاب خفيف السمرة يعمل سائقا لشاحنة كبيرة وقديمة لنقل شحنات الأدوية لـ - الشركة الموريتانية للأدوية - ، و أثناء عودته عصر الخميس تعطلت الشاحنة العملاقة ـــ على ظهر الطريق ، حاول رفقة مساعده اصلاحها دون جدوى وفي حدود السادسة وصله اتصال من كمبة ،،، قرر مباشرة أن يدع الشاحنة تحت حراسة مساعده على أمل العودة العاشرة ليلا رفقة ميكانيكي .

الغوث ولد السيد ، وزير الصحة الفاسد وهو أحد الشخصيات ذات النفوذ منقطع النظير، فهو يمسك الكثير من الخيوط في عدة مناطق حساسة من صنع القرار في الدولة و أختار ـ بنفسه ـ وزارة الصحة كي لا يتعرض للمشاكل الكبيرة كنوع من التقاعد المريح والقرب من إدارة تجارته الآمنة في الأدوية – المزورة أحيانا – فأكبر شركات استيراد الأدوية هي - في الظاهر ملك- لعامله عليها "ورجل الأعمال الخليل "  وتدعى – الشركة الموريتانية للأدوية- .
كان "الخليل" على الطرف الآخر في فندق "ميتروبول" بمدينة شانغهاي يهز رجله بفارغ الصبر يعد الرنات قبل أن يفتح أمامه الوزير الخط ، كان فحوى الاتصال حول محاولة اقناع الوزير بقبول صفقة لحمولة من المضادات الحيوية الرخيصة – المزورة- بحجة أن ربحها يصل 1500% وان تأثيراتها العكسية ـ حسب الخبيرــ محدودة الخطورة ولا تصيب في الغالب إلا مرضى قصور القلب ..... وتمت الصفقة .

صباح يوم الأربعاء كان أعمر "مساعد وزير الداخلية" يخرج كل هنيهة ليسأل عن حامد ، وحين تأكد أنه  لن يأتي اليوم بسبب وعكة صحية جعلته حبيس الفراش كان الوقت  قد وصل بعد الظهر، صادف عبد الرحيم عند خروجه النهائي من المكتب ليظهر ابتسامة من وجد حلا للغز ما ، هنا عرف عبد الرحيم أنها مهمة وفعلا كانت كذلك فقد ناوله ظرفا يحوي رسالة تسلم عاجلا الى وزير الصحة في مكتبه اليوم أو غدا صباحا .
كان "أعمر" وهو أحد رجال "الغوث" في وزارة الداخلية يملك قصرا في مدينة أنواذيبو وهو قصر بمقاييس لهو خاصة جدا ، حيث تعود "الغوث قضاء عطلة نهاية الأسبوع عنده في جو مليء بالقمار والنساء ، حيث يجتمع العشرات من نخبة النخبة من أجانب وموريتانيين في أجواء تشبه مدينة الملاهي الأمريكية "لاس فيغاس" ، لكن هذه المرة بالذات هناك تغيير طرأ حيث كلف "الرئيس" أعمر بسفر عاجل مساء الأربعاء إلى المغرب .
كانت الرسالة تحوي مكان مفتاح القصر ، وصل عبد الرحيم وزارة الصحة لكن الوزير لم يكن هناك مما دعاه للتفكير تلقائيا في الاحتمال الثاني وهو العودة باكرا وتسليم الرسالة .

على تمام السادسة والنصف من يوم الأربعاء تلقت "كمبة" اتصالا هاتفيا بينما كانت غارقة في تنظيف المطبخ تخبرها عن نقل أمها إلى الحالات المستعجلة بعد تراجع في الحالة الصحية العامة بسبب عقار مضاد حيوي مزور ــــ على مايبدو ــــ ، سقطت المكنسة من يدها وخرجت مهرولة فيما بقايا من الماء على الجانب الجنوبي الشرقي من المطبخ .

بعد منتصف الليل كان "علي" يتحسس الجانب المعتاد حيث يوضع له العشاء عادة فيما فوجئ بقطة تحاول الفرار ، ارعبه المشهد للدرجة التي فقد فيها التوازن فمر رجله على مكان زلق فسقط سقوطا حرا جعل ارتطامه بالبلاط قويا ، قفزت الوالدة مذعورة لتجد الولد مغشيا عليه والدماء تغطي مكانا معتبرا ، أطلقت صيحة الأم المفجوعة حتى التف حولها الجيران ومن بينهم "عبد الرحيم" الذي عاد مذعورا بسرعة إلى سيارته و اخذ العائلة بسرعة إلى المستشفى وبات الأرق رفيقه لليلة كاملة حتى أذن الفجر كان النوم يغزوه بدون موعد و لا رغبة منه فسقط على الكرسي .

في الساعة الواحدة زوال يوم الخميس كانت سيارة وزير الصحة ذات الدفع الرباعي على الكيلومتر 51 من نواكشوط متجهة إلى أنواذيبو رفقة تكييف وأنغام هادئة من مقطوعات كلاسيكية تصيبه بالنعاس عادة .
في الساعة الخامسة كان الغضب يتملكه ووعود العقاب تصارع فكره فقد وجد القصر مغلقا لأول مرة منذ بداية برنامج الترفيه الآمن هذا ، وفي أجواء الشحن والغضب أصدر أوامره للسائق بالعودة مباشرة الى نواكشوط.

في الساعة السادسة من مساء الخميس كانت كمبة في حالة اضطراب كامل حين فتح "السالك" الخط كانت منهارة بالبكاء والنحيب فأعز شخص في حياتها قد غادر قبل دقائق ، أكتفت فقط بكلمة "لقد ماتت !" وانقطع الخط ، توقف السالك مباشرة من محاولة اصلاح شاحنته وعلى عجل جعل قصة العطل عذرا ليصل نواكشوط بسرعة ليكون بجانب زوجته وليعرف أساسا ماذا يحدث !
التاسعة ليلا من يوم الخميس كانت سيارة الدفع الرباعي تسير بسرعة خيالية يوبخ الوزير سائقها على البطء فيما كانت أصوات الارتطام تصم الآذان ، توقف الزمن قليلا قبل أن يكتشف الوزير لحظته قد حانت ، سيارته ارتطمت بالشاحنة الواقفة على الطريق دون إشارة ضوئية في ظلام دامس كان الوزير يتحسس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قطعا من الأدوية التي تدخل في شحنات صفقته الأخيرة .

الكثير من وسائل الاعلام وضع عناوين من هذا القبيل "حادث مؤسف لوزير كبير" ، "موريتانيا تفقد ابنا بارا" ، "وزير الصحة إلى مثواه الأخير" .
شخصيا أختم هذا التحقيق بهذا العنوان " قطرة ماء على اسفلت مطبخ تقتل وزير الصحة" ، "دواء مزور يكون سببا في موت بائعه"

تحرير : "خ.س" ، من صحيفة "ت.ف"

الأحد، 21 أكتوبر 2012

تجسيد الرواية الرسمية


يبدو أن صيحات الاستغراب التي قابل بها النشطاء الموريتانيون الرواية الرسمية والأدلة التي جعلتها تتهاوى ، على الأقل في أوساط النشطاء والقريبين من الأوساط الإعلامية ، أرغمها ذلك أخيرا على استدعاء شخصيات عسكرية تعيد صياغة الرواية امتثالا للمثل الشعبي "الكلام من فم مولاه أحلا" .
نعم هو مخرج جيد للإعلام الرسمي ويجعل وطأة الحرج مشتتة شيئا ما عنه ، يريد أن يقول "أتيناكم بقصة فلم تصدقوها فأسمعوها من أهلها – المفترضين -" ، لكنه ليس جيدا للرواية الرسمية ، وهذا يوحي ـ شيئاما ـ إلى أمرين :
أولهما أن نسبة تصديق الرواية الرسمية كانت ضعيفة حسب إحصائيات – المخابرات- التي سيكون لها الفصل فيما اذا كان ماقد قيل يكفي! ،
وثانيهما أن الجهات الرسمية تضررت - أخيرا - بجو الشائعات التي كانت هي نفسَها سببا فيه ، حين أخفت ولا زالت تخفي الحقيقة .
 لكن ما قامت به اليوم من إشراك أطراف أخرى بشكل مباشر في القصة سيخلف مردودا عكسيا لأنه وحتى بعد أيام - لاشك كانت أيام تدريب وتلقين لما يجب أن يقوله الملازم - تجسدت القصة بطريقة بائسة كثيرة التناقضات غير منطقية بالمرة كمن يحاول بعث أبطال رواية رديئة في عمل مسرحي بدائي .

عودة إلى الملازم :
في إصداره من القصة يؤكد أنه كان في هيئة مدنية على بعد مسافة من الثكنة العسكرية وسيارته كذلك هي سيارة مدنية رغم ذلك قاموا بعمل قتالي كأنهم عصابة مافيا ـ مثلا ـ ، رغم أن العقيد حاول تدارك تلك الحقيقة وعلق عليها كخطأٍ قاتل لمبادئ الانضباط في الجيش ، لكن رغم ذلك لم تتخذ ضد الملازم أية إجراءات عقوبة !
ذكر الملازم أن هناك سيارتين على الأقل وأنه أطلق النار على الأمامية مصوبا على العجلات فيما كانت السيارة الثانية خلفه ، والمفروض أنها تابعة للحرس الرئاسي أو لجهات أمنية ترافق الجنرال ، ورغم ذلك لم تقم بعمل دفاعي بل لاذت بالفرار هي الأخرى رغم أنه لوحده المسلح ورفيقه ينظر فقط J .
رغم حماقات الملازم ـ في القصة ـ وقيامه بأعمال قتالية بهيئة مدنية واستهدافه موكب الجنرال ، رغم كل ذلك صدر القرار نفس الليلة وبسرعة قبل أن يحصل أي تحقيق في القضية ، أنه كان يقوم بعمله وأن الجنرال قد غفر له ما تقدم ،،، ألا ترون معي أن هذا أمر مريب ؟ !
أظن هذه القصة عدى عن كونها الإصدار الذي حاربت به وسائل الاعلام الرسمية الشائعات - ذات البعد الأخلاقي - التي حيكت عن الجنرال تلك الليلة فهي أيضا للتكفير عن الخطأِ الكبير في الرواية الماضية على لسان وزير الاعلام والجنرال نفسه أن الذين استهدفوه كانوا يقومون بعملهم – أي أنهم في حالة دوام رسمي – وهو الذي فتح الأسئلة حينها ،، لماذا لم يمتثل الجنرال للأوامر ؟ ! ، نعم جاءت هذه القصة ـ أيضا ـ لتنفي كونه لم يمتثل للأوامر .

تذكرني الرواية الرسمية السابقة وتجسيدها على شكل شخصيات الليلة بإحدى حلقات المسلسل السعودي الكوميدي "طاش ماطاش" ، إحدى الحلقات التي تتحدث عن شيخ جديد في قبيلة بدوية لكنه لا يملك أيا من مقومات القيادة ( ضعيف ، غبي ، وجبان) ، في إحدى الأيام كان مساعده يريد أن يكذب بشأنه ليلمعه ، فقال أنه وجده يصارع أسدا هنا تناول "الشيخ داعس المبادرة" وبدأ في وصف القصة وكيف كان يرمي الأسد لأعلى بشكل خارق ، حتى أضطر مساعده لإسكاته لأنه أفسد القصة ، هذا ما قامت به التلفزة اليوم لقد قصت قصة مبهمة وصدقها البعض  لكنها قضت عليها الليلة بتجسيدها ـ على المسرح ـ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعذروني على الأخطاء كتبت النص بسرعة . 

الأحد، 14 أكتوبر 2012

ليلة مشبعة بالثرثرة












كنت مع مجموعة أصدقاء بينما كان خبر ليس باللطيف ـ حقيقة ـ يتنزل بعدة روايات مظهرا الجانب الأكثر افتراسا للشائعات على أنفسنا ، ...
لطمتني الشائعة الأولى على هذه الطريقة : "... نعم أصيب الجنرال بطلق ناري على رأسه في تمرد داخل الحرس الرئاسي أثناء ممارسته المسائية لرياضة الجري " .
كانت الشائعة الثانية : " أصيب الجنرال في رقبته أثناء عودته من مزرعته الشخصية ـ المثيرة للجدل وذائعة الصيت ـ ، و المهاجمون مجهولون "
وكانت الثالثة عن اصابة الرجل في الرجل اصابة طفيفة وأنه سيخرج على وسائل الاعلام ليطمئن الشعب على حالته .
ثم كانت شائعة الحكومة التي أطلقت بشكل رسمي ويبدو أنهم لازالوا يصرون عليها بعد ان ظهر الجنرال اليوم وهو يؤكدها ويؤكد معها "تهنئته للعملية الناجحة" ، كانت هي أبعد الشائعات عن المنطق لأنها أكدت أنه أصيب اثر اقتراب غير مبرر من ثكنة عسكرية ليست على الطريق العام فأطلق جنودها النار بعد عدم امتثال هذه السيارات للتحذير ، ويفتح هذا السيناريو عدة أسئلة ترغمنا على التوقف عندها :
ـ هل سوء التنسيق يصل لدرجة أن يذهب الرئيس الى مناطق فيها تواجد عسكري ـ وهو الخبير بطبيعة الجيش ـ دون تنسيق مسبق مع قيادة تلك الثكنة ؟ !
ـــ هل التحذير بتصويب الرصاصة مباشرة الى السيارة المحذرة وإطلاق وابل من الرصاص ؟ ،
ـــ أم أنه تم تحذيره ولم يمتثل ؟
عدا عن كونها قصة غير منطقية وسخيفة تحوي الكثير من الاستخفاف بعقول المواطنين فهي أيضا جلبت الكثير من السخرية على صفحات التواصل الاجتماعي من النشطاء عليها في كل العالم  وكان دور بعض الشباب الموريتاني البارحة الدخول في حرب باردة على "اتويتر" خصوصا لتخفيف الوطأة على الرواية الرسمية رغم أني انتهزتها كفرصة نادرة للضحك في ليلة ليست ـ لطيفة ـ

مهما كانت "الحقيقة" فهي تكشف الكثير من العورات والنواقص ، فلو كانت القصة الرسمية هي "الحقيقة" فإن لدينا نظاما رغم كونه من بطن المؤسسة العسكرية عالية التنظيم إلا أنه غائب التنسيق يعكس الغباء الشديد الذي يتميز به حكم هؤلاء ، ولو كانت محاولة اغتيال ـ وهي الأرجح ـ فهي تعكس بادرة خطيرة جدا كأول محاولة اغتيال لرأس السلطة في تاريخ موريتانيا .

بعد دخوله المستشفى وإبان ساعات الاصابة كانت إحدى الحقائق الأبرز هي أنه لا توجد أي مؤسسات في الدولة خارج نطاق التسيير الشخصي للجنرال في كل تفاصيلها ، حتى المؤسسات الاعلامية الرسمية التي فضلت بث القصائد المديحية والفقرات الغنائية لأن إدارتها لا تملك حرية تقييم الموقف والبث على أساسه . 

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

منابع الشر





حين كان "المشظوفي" يلفظ أنفاسه الأخيرة كان يدافع عن حقوق بعض المطحونين والمضطهدين من عمال شركة MCM  التي تحولت على مر السنين إلى دولة داخل دولة تتعلم منها أساليب المافيا والسلب والنهب واللامبالاة والظلم والقهر ، لم يكن "المشظوفي" رحمه الله واقفا من أجل حقه أو لحل مشكل شخصي او في قضية تعنيه ـ ولا عيب في ذلك بل هو المطلوب دائما ـ بل كان يقف مع حقوق العمال الآخرين فهو عامل رسمي يتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها أي عامل رسمي وقد ناضل بقية العمال من أجل ما يتمتع  به هو شخصيا ، ورغم ذلك سقط شهيدا لقضايا الآخرين التي لا نعرف ما يكفي لنعرف أي ظلم يسلط عليهم وفي أي جحيم يعيشون على أرضهم وفي وطنهم .
حين نتحدث عن شركات المناجم الأجنبية في موريتانيا فإننا نتحدث عن شتى أنواع العمل الإجرامي المنظم الذي يحاكي أنشطة المافيا ويزيد عليها أحيانا في الخبث والإجرام ، الفرق البسيط أن المافيا ملاحقة وشرائك التعدين دول داخل دول .
في شركة MCM يتم ممارسة عدة أنواع من الجرائم التي لم تكن كندا وهي البلد الأصلي لصاحب الشركة First Quantum  بأن يقوم بتجاوز بسيط ودقيق منها :
ـ تمارس هذه الشركة ما يمكننا أن نسميه "العبودية العصرية" فمقاولة البشر وهي التعامل مع مقاول يملك أمر بعض العمال يؤجرهم للشركات وأصحاب العمل ، وتتفاوت الظروف في قبول هذا الظرف المزري المقيد للحرية وتفهمه ، فحين يكون العمل للشركات المعنية لا يحوي نسبة خطورة تذكر فربما كان من المقبول أو من المتفهم شيئا ما وجود مقاولين لبعض العمال رغم ما في ذلك من استغلال بغيض لهم لكن الحالة الأخرى هي قمة التجاوز على كرامة البشر واستغلالهم ، فشركات التعدين الموريتانية وخصوصا MCM تستخدم المواد السامة الخطيرة كالسيانير وحمض الهيدروكلوريك وكوستيك الصودا في حين لا يتمتع أي عامل مقاولة بأي حق أو ضمان صحي .
ـ تمارس MCM القتل الجماعي للبيئة والبشر في استخدمها لمواد كيميائية مشعة وخطيرة و باحتياطات حفظ ضعيفة ، فنهرها الاصطناعي للنفايات يجد مسامات بسهولة إلى التربة مما ينشر تلك المواد الخطيرة وهو ما أدى إلى وفيات وإجهاض حوامل ونفوق عشرات إلى مئات الدواب بالإضافات لإصابة عدة عمال إصابات خطيرة وصلت أحيانا إلى الوفاة .
الاخلال بالاتفاقيات الموقعة : حسب ما وصلني أن الاتفاقية الموقعة بين النظام الموريتاني وبين الشركة الأم لـ MCM تحوي بندا بتشغيل ما يزيد على 400 عامل بشكل رسمي بعد سنتين فيما لم يصل حدود العمال الرسميين حتى  الآن في الشركة بعد أكثر من 7 سنوات على عملها على أرض الوطن وصل 335 عاملا فقط فيما يعمل في الشركة ما يزيد على 1200 عامل لا يتمتعون بأي حق ولا رعاية صحية وفي ظروف سيئة جدا .
لو أخذنا الأرقام الرسمية لهذه الشرائك وإنتاجها السنوي المهول بل الكارثي ونظرنا واقعنا المعيشي فسنجد أن كل تلك الأرقام لم تنعكس بأي تقدم تنموي ولا معيشي ملحوظ بل وجدنا منها الظلم والقتل وتلويث البيئة فقط .