لأني أريد أن أقنع نفسي أنك تحاول بكل ما تقوله إقناعي ، أجيبك بكل صراحة : لم تقنعني بعد يا سيدي .
حين تحاول إقناعي بوجود إصلاحات اقتصادية ، فأنظر فلا أرى إلا نهب الثروات ـ أخيرا الثروة السمكية ـ وبيع الممتلكات العامة وإحداث قعر كبير في وسط العاصمة ببيع كل الساحات الحيوية ـ من بلوكات التي يفترض أن تكون رئة لوسط العاصمة إلى مقر الموسيقى العسكرية ـ فستحتاج ابتكار أسلوب جديد غير أساليبك القديمة التي عرفها البشر لتقنعني .
وحين تحاول إقناعي أن عزيز " رئيس الفقراء" وأنهم إحدى أهم أولوياته فعليك أولا أن تقنع فاطمة التي زاحمت كثيرا ـ لساعتين ـ بالأمس أمام دكاكين "التضامن" لتخرج بقطع بالية وصغيرة من السمك بتخفيض 30 % وهو نقص يوصل فقط للثمن الطبيعي ـ بسبب غلاء الأسعار ـ فإذا فشلت في إقناع فاطمة ـ فصدقني ـ لن تقنع عائشة و أمباركة و كمبه ،
اللواتي يقمن بإعتصامات دورية لبعض الليالي أمام القصر الرئاسي ، ومشكلتهن أنهن لم يجدن مأوى يبتن فيه ، أنهن رفقة الآلاف من المرحلين أو الذين جرفت منازلهم ـ دون الالتحاق بمستوى المرحلين الذين وجدوا قطع ارض جرداء ـ يبتون في العراء ويلتحفون السماء ، وأن الآلاف من الأطفال لم يلتحقوا بمدارسهم لهذا العام ولا يرجون التحاقا في العام القادم ، حين تقنعهم أن كل ذالك خطة ـ مرسومة ـ لإنقاذهم من مجموعة " أرواح شريرة" تقيم في أحيائهم أو أنها أحياء مسكونة ومن الأحسن أن يسكنوا في العراء في تلك الحياة البدائية التي عاش فيها الإنسان في العصور الحجرية ـ فقد تقنعني ـ .
حين تحاول إقناعي أن قطاع الصحة جيد ، فستحاول إقناع دكتور ما في قسم الأمراض الباطنية بالمستشفى الوطني أن يقوم باختبار تخطيط القلب عن طريق الجس ـ مثلا ـ مع العلم أن أجهزة تخطيط القلب تباع في شوارع دكار ،
أو عليك إقناع السيدة آمنة التي تقيم في المستشفى من رمضان الماضي لأنها تستبدل ضماداتها كل يومين لكي تفرح لساعات قليلة بنزيفها ـ لأنه الوحيد الذي يخفف آلامها ـ ، هذه السيدة ـ سيدي ـ تكفلت الدولة بعلاجها في المغرب ، قامت بتجهيز كل شيء لها من تذكرة وإجراءات رفع وغطاء مالي جامد قدره مائة ألف ـ اكتشفت آمنة المسكينة ـ أن مائة ألف تكفي لشراء وصفة واحدة أو فحص واحد فقط ،
عليك إقناع الفتاة ذات 16 ربيعا الموجودة الآن في مستشفى الشيخ زايد منذ 5 أيام عاجزة عن دفع ثمن فحص الدم ،
وعليك إقناع آلاف الأطباء الذين يعيشون حالة مادية ومعنوية مزرية ،
كما عليك إقناع المواطنين في الداخل ـ في أي مكان منه ـ اللذين لا يجدون حلا سوى التنقل لأنواكشوط حتى يصيروا في ـ رتبة ـ " آمنة " و" الفتاة " .
أما عن الإصلاحات السياسية وعن جو الديمقراطية فسأفرد لك صفحة " وورد " أخرى ، صدقني ـ أيضا ـ على الصعيد السياسي لم تقنعني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق