تاريخ حرب اللا عنف في موريتانيا
منذ إنشاء الدولة ظل المواطن الموريتاني مغيبا ومبعدا عن المشاركة والإسهام في بناء التصورات الخاصة بالوطن ، مغيبا على جميع الأصعدة والمستويات ـ أحيانا ممنوعا من إختيار مايمكن أن يقول ـ رغم تفاوت ردات الفعل التي تعرض لها من قبل الأنظمة حسب معطياتهم الزمنية فحين كانت المعطيات تسمح بالسلخ والإغتيالات ـ مثلا ـ وجد الشعب الموريتاني نصيبه من السلخ والإغتيالات ووجد نصيبه من ردات الفعل المناسبة للزمن الديمقراطي ـ المزعوم ـ ، حين قام النظام العسكري في أواخر الثمانينات والتسعينات بالزج بمئات من قادة الراي في السجون في إستنساخ إبداعي لديمقراطية بمقاييس أخرى ، وبعد الإنقلاب الذي كادت بعض الأوساط المتفائلة أن تسميه " ثورة " ـ حين منحنا العسكر الديمقراطية والكثير من الأحلام حول المستقبل الزاهر لوطننا ورغد العيش المنتظر قبل أن يأخذوا منحتهم ـ شهد الكثير من الإزعاج العنيف لقادة الرأي ، فهذا ولد خطري الذي يطلق سراحه الآن بعد 3 سنوات من السجن في تهمة يبدو أنها لاتصمد أمام تحقيق بسيط ـ مثلا ـ .
في كل فترة من هذه الفترات كانت المجموعات المعارضة تتميز بميزات خاصة : كالعمل السري ، أو المعارضة السياسية التي تساق للصناديق ـ ظنا منها أن صناديق العسكر قد تحدث تغييرا ـ أو معارضة فالخارج يحدوها الأمل أحيانا ويخبو أملها أحيانا وقد يصل الأمر للمعارضة المسلحة كما فعلت مجموعة " فرسان التغيير " ، في حين ظل خيار " حرب اللاعنف " شبه غائب ،
ربما طبق مرات ولمطالب محدودة نذكر منها على سبيل المثال : إضراب عمال ميفرما الذين تعرضوا لإطلاق النار وسقط منهم شهداء لكنهم تمكنوا من التأثير في قرارات النظام حينها وتم تأميم ميفرما .
ماهي حرب اللاعنف ؟
اليوم في حركة 25 فبراير ـ كإطلالة منا على المستقبل حيث نرى موريتانيا دولة مؤسسات تحمي مواطنيها وأفرادها وتهتم بصغائر مشاكلهم ويشعر معها المواطن بفخر الإنتماء ويقينا منا أن الحرية والديمقراطية والرفاهية إن منحت من أحد فمن السهل على مانحها أن يأخذها لذالك فالسبيل الوحيد لتأمينها هو أخذها بقوة الشعب وليس الشخص أو الأشخاص ذوو القوة الذين منحوها ، بينما حين يأخذها الشعب بنفسه سيعرف كيف يؤمنها وسيكون هو صمام أمانها .
فاليوم كخيار آخر ( ليس النضال المتأني الذي يقبل بالجزئيات ويحاول تغيير الأوضاع عن طريق صناديق الإقتراع ـ التي صممت أصلا ليحكم الرئيس السابق أو من تسانده ويقف خلفه قادة المؤسسة العسكرية ذوو الميول السياسي ـ ، وليس النضال العنيف الذي يصب في مصلحة النظام لقوة وسائله والذي يصب في خلق المشاكل في الوطن والذي يعتبر من الوسائل غير المتحضرة وغير الإنسانية ،أو الإنقلاب الذي يعيد مسلسلا مقيتا من تبادل الكراسي والمصالح وتجديد الدماء في دولة الطغيان والنهب ) تحاول الحركة إعادة صقل نموذج جديد لمناصبة النظام العسكري ذي الصبغة الديكتاتورية ومدعي الديمقراطية بما صار يعرف بـ " حرب اللاعنف " .
وحرب للاعنف هي من إختراع المناضل الهندي الكبير " غاندي " لكنها بعد ذالك إتخذت الكثير من الأشكال وتطورت تطورات هائلة وقامت بإنجازات رائعة بالإضافة لمردودها السلمي على الوطن حيث لاتفتح مجالا للحروب او التدمير الداخلي بل تسد الطريق دون ذالك وإنما تحتاج فقط إلى نشطاء مقتنعين وذوو شجاعة تصل ـ أحيانا ـ لأن يتخذو من أنفسهم دروعا بشرية تارة أو صدورا عارية للرصاص أو نظرات متحدية للبطش الأمني أثناء التنكيل والقمع دون أن يتوقفوا عند أي حد أو تحت أي ظرف لأن الرفض والعصيان اللاعنفي الذي يتسمون به ليس له حدود ، مما يسبب الإحراج للنظام خصوصا إذا كان يباهي بحرية الرأي ـ أحيانا ـ .
" حرب للا عنف " لاتقوم على وسائل لاعنفية مثالية بإعتبارها ضد العنف إذ لجأت مدرسة اللا عنف على مدار عقود إلى إثبات أنها ضد العنف ، لكنها تطورت مع الممارسة لتؤكد أنها أيضا ضد الوسائل السلمية الدستورية ، فوسائلها ليست عنيفة مثل الحرب العسكرية ، كما أنها ليست ذات الوسائل الدستورية ، وبذالك يواجه المصطلح أولئك الذين لايرون حلا سوى العنف ، وأولئك الذين لايرون حلا سوى الحل السلمي الدستوري ، *
فحركات للاعنف تستفيد من خلال شنها الحرب على الأنظمة المستبدة بوسائل لا عنيفة متنوعة وبأسلحة مجهولة من قبل الأنظمة المتعودة على العنف والقمع ، فساحة اللاعنف وميدانه هي نقاط ضعف الأنظمة ومن هنا تبدو الحركات من الناحية النظرية وكأنها تمتلك الأفضلية وهي تخوض الحرب في ساحتها، وبلا شك سيحاول النظام فرض أسلوبه أيضا من حيث محاولة جر الحركات غلى ميدانه العنيف .
المستقبل ، الحاضر ، الماضي ، بدون أخذ المبادرة
إن غياب الصراع في مجتمع تنتشر فيه شتى أنواع المشاكل والأخطاء الممكنة وسكوت ذوو الحق عن حقوقهم هو جريمة في حق الوطن وفي حق أجيال لم تولد بعد ، وإستمرار تطوير ثقافة الخنوع والإستسلام للأمر الواقع لايفيد قضايا الناس ولايؤمن لهم حياة كريمة وفي المقابل يقوي الأنظمة ويقوي لديها دوافع الظلم والإستبداد والنهب الممنهج وتطوير ثقافتها الديكتاتورية ونشرها في المجتمع ، فلا يمكن إعتبار السكوت والخنوع والإستسلام فضيلة بأي حال من الأحوال .
وحين قررنا الخضوع والإستسلام في العقود الماضية لم أجد أن مشكلة تم حلها ولم أجد خروجا متوقعا من عنق الزجاجة وبعد عقود من الآن إن لم نفكر في نزع ثياب الإستسلام والتسليم وإنتظار فرج إعجازي فأظننا أيضا بعد عقود سنكون في حالة أسوء ،
ويكفينا إستقراء بسيط للماضي والحاضر لنفهم مايمكن أن يكون في المستقبل إن قررنا الإستسلام ، ففي الماضي كانت الحالة المعيشية أحسن من حيث بساطة المعيشة في حين حصل تقدم بسيط جدا في البنى التحتية على مدى عقود حتى صار أحدهم يفتخر بكهربة المدن في القرن الواحد والعشرين ، وفي الستينات والسبعينات ومنتصف الثمانينات كان نهب المال العام ضئيلا جدا في حين شهد فترته الذهبية في المنتصف الأخير من الثمانينات والتسعينات وأستمر في تطوير أساليبه حتى صار النهب يتم بطرق إحترافية ذكية وشديدة التعقيد ، وفي الجانب الحقوقي تمت مجازر للزنوج وكادت أن تتكرر هذه الأيام كما تم تجريم العبودية على الورق دون أن تكون هناك إجراءات جادة فعلا لإتمام ذالك المشروع أو لوضع الحد لمخلفاته ،
في عقود الدولة الأولى وحتى وسط الثمانينات كانت لاتزال لدينا ترسانة أخلاقية تحمينا من العار ورثناها عن الأجداد من قديم الزمان ، كانت السرقة والكذب والنفاق وما شابهها من الرذائل عارا يندى له الجبين ويتخفى صاحبه من أعين الناس ، ومع مرور الزمن قامت الأنظمة للا أخلاقية بإستنساخ تلك الأخلاق وتلك المبادئ وتمييعها بما يسمح لهم نهب الوطن وإضعاف المنظومة الأخلاقية للشعب ، حتى أنتشر في الثقافة الإجتماعية أمثلة من قبيل " افلان مشتمر " لأنه سارق وناهب للمال العام ، و " نافق كانك توافق " .
في المقابل لو كنا أخذنا المبادرة بأيدينا كان يمكننا أن نكون الآن إحدى أعظم الإقتصاديات الإفريقية بمواردنا الطبيعية ولوضع حد للنهب ولو فهمت الأنظمة الحاكمة أنهم مجرد مستأجرين لتنظيم وتطوير البلد مقابل أجر مالي وبضع صفحات من التاريخ ـ قد تكون عليه ـ وليسوا مالكين للبلد كما توقعوا جميعا ـ وكما لم يثبت لهم أحد العكس ـ ، كان يمكننا أن نضع كل عمل في بلدنا وفق أسس سليمة إنطلاقا من الصحة والتعليم والبنى التحتية وحرية الإنسان وكرمته ، لكننا قررنا الإستسلام وتطورت الأمور بهذه الطريقة ،
لو قررنا الإستمرار في الإستسلام الآن واستمر الأمر على ماهو عليه ففي أحسن الأحوال بعد عقود سيكون إقتصادنا الهش ـ الآن ـ قد إنتهى وربما تكون مواردنا قد نضبت وحروب أهلية قد حصلت ونسيجنا الإجتماعي قد أوشك على التحطم أو تحطم ، ربما تكون هناك دولة أشباح في حين سيكون أبناء قادة النظام الآن يملكون عمارات في أوروبا وتأمين صحي وإجتماعي ومسابح ومنتجعات من أموالنا ،
وربما سيصل التردي الأخلاقي لمستوى الدياثة وربما اسوء .
ماذا لو أتخذنا المبادرة ؟
ولو أتخذنا المبادرة من الآن ربما سنتدارك بلدا منهكا لكنه بلد قائم سيفهم فيه الحاكم المستقبلي والنظام القادم أنه تحت طائلة الشعب وانه مستأجر وليس مالكا ومكلف وليس مشرفا حينها سيكون للوطنية إحترامها وللمال العام إحترامه ولمشاعر الشعب وماله العام إحترامه ولمطالب الشعب إحترامها ،
وبالتالي لن تكون هناك دكاكين تضامن ـ ممنوحة ـ لأن الشعب يريد تخفيض الأسعار ودعمها ، لن تكون هناك إملاءات من الخارج لأن هناك إملاءات جادة وفعالة من الداخل ، ولن تكون هناك خطة عبثية لتخطيط الأحياء العشوائية لأن الشعب يريد مناطق قابلة للعيش تتوفر فيها مستشفيات ومدارس ، لن يكون هناك ظلم لأن الشعب يريد العدل ، ولن تكون هناك إرادة متسلطة فوقية تفعل ماتريد ـ ببساطة ـ لأن الشعب يريد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كتاب حرب اللاعنف ص 49 ـ إصدار أكاديمية التغيير ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق