الثلاثاء، 17 يناير 2012

أحلام يعقوب



رائحة النفط
في كل مكان ولحظات قبل إشعال عود الثقاب كان يفكر في العالم القادم إليه ، عالم العدالة الإلهية التي لا يمكن لأحد من هؤلاء الظلمة الذين يعيشون اليوم العبور هناك لمنازعته الحقوق المكفولة له والعودة إلى عالم الظلم اليوم ، كان موقنا أنه بعد دقائق لن يفتح عينيه مجددا على عالم يلقى فيه القبض على نشطاء حقوق الإنسان لأن شخصا ما جاهلا لا يفهم أي معنى للإنسان .

وهو يذاكر رسالته الأخيرة كان يفكر في الأسعار التي بدأت تلتهب لتحرق جيوب الفقراء اللذين لا دخل ثابت لديهم أعاد حالة القعدة التي كان يعد فيها الرسالة وخاطب نفسه :

"يجب أن يكون هناك ما يتعلق بأسعار المواد الغذائية ، من سيحمي هؤلاء ذات يوم لو وجدوا أنفسهم عاجزين عن سداد فاتورة الغداء ؟ وما أكثر من سيعجز عن ذالك ذات يوم ، ما سبب كل هذا الغلاء ؟ "

السبب الأكيد في عقل يعقوب هو مضاعفة الأرباح من الشرائك المستوردة للمواد الغذائية والرسوم العالية على هذه المواد كأن هناك جهة تسعى جاهدة أن يبقى هذا الشعب جائعا لا يحسن التفكير إلا في ماذا سيأكل غدا ؟

هناك من سيقول إن الدولة تحتاج دائما لأموال لتدشين المشاريع وتسيير أمورها ، إذا لماذا لا تكون هناك رسوم جمركية مرتفعة على السجائر والسيارات الفارهة والصادرات من الذهب التي تنهب كيفما ما يشاء لها الجنرالات الحاكمون ، أين ثوراتنا البحرية وهل عليها رسوم جمركية تعادل الرسوم وزيادة الأرباح على المواد الغذائية ؟ فقط إثقال كاهل الحلقة الأضعف التي لا تتقن الدفاع عن حقوقها . لماذا ؟ كل هذا حفاظا من الجنرالات وقادة الجيش على حكمهم وسلطتهم ؟ إذا سيكتب يعقوب :

"لا يحق لعسكري سابق أو حالي أن ينتخب لمنصب رئاسة الجمهورية "

لكن الناس بحاجة لمؤسسات حقيقية وليست مؤسسات الدمى التي يحركها الرئيس مهما كان ، متى نتخلص من تغول الحكام ، أليس لهذه الدوامة من نهاية ؟ إن قامت ثورة ما فلابد من أن تضع عينيها على ذالك الشيء ، يلتفت يعقوب إلى الورقة التي قد سطرت فيها سطور ويراجع ما كتب من قبل وهو يتحسسها ثم يثبت القلم في بداية السطر :

"إلزامية اقتراح رئيس الوزراء من الكتلة الأكثرية في البرلمان

إلزامية تزكية البرلمان لوزراء : العدل ، الداخلية ، المالية والتعليم

إلزامية تزكية البرلمان لرؤساء المحاكم والمدعي العام

إلزامية تزكية البرلمان لأعضاء المجلس الدستوري"

يخرج قليلا ، يجول بنظره في الأفق الفسيح ، يفكر "لاشك أن هناك زمنا سيكون أحسن ، لاشك أن الأجيال القادمة ستنال الجائزة الكبرى التي سنخلفها لهم ، سينالون بلدا حرا نزيها يحكمه القانون ، تحكمه مؤسسات حقيقية وأوضاع معيشية تليق بالإنسان"

يعود ليجلس بهدوء قرب الورقة والقلم ، "نعم لقد حان الوقت للشعب الموريتاني أن يختار بكل حرية من يحكمه ويسير ثرواته التي تكفيه غنى عن صدقات الدول الأجنبية "

لقد فهم التونسيون ما قام به البوعزيزي ، وسيفهم الموريتانيون ما سيقوم به يعقوب ،

رائحة النفط في كل مكان ولحظات قبل إشعال عود الثقاب كان يفكر في العالم الذي سيذهب عنه ، أطرق قليلا وهو يداعب عود الثقاب وتسيطر على أفكاره "تهون أرواحنا من أجل موريتانيا لكي يعيش أبناؤنا في بلد تسود فيه الإجــــتماعية والحرية والديـــــمــقراطــ ــــ ــــ ــية" كانت تلك هي اللحظة الأخيرة .

بعد عام من هجرانك لعالمنا نؤكد لك يا يعقوب أن كل ما أحرقت من أجله جسدك لم يتحقق منه شيء ، لكننا ماضون .

بعد عام من هجرانك لعالمنا نؤكد لك يا يعقوب ، أننا لم نكن نرغب في الطريقة التي عبرت بها عن غضبك ، أو مطالبك ، ورغم ذالك نقدر تضحيتك ، ونحن ماضون .

بعد عام من هجرانك لعالمنا نؤكد لك يا يعقوب أننا نرجو من ربنا القدير رافع السماء وخالق الميزان والحاكم بالقسط أن يرحمك . وسنستمر في النضال من أجل موريتانيا فقر عينا ، نحن ماضون .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق